مراد
الأنجلو-أميركي للعراق فتناً ماتت منذ قرون، أو هكذا من المفترض أن تكون.
هنالك
فتن مذهبية بين السنة والشيعة، وأخرى عرقية بين العرب والأكراد، ميتة أو نائمة أو
مقموعة أو مخدَّرة.
تارة يقول المحتلون للشيعة إنهم أصحاب الأكثرية العددية، وما
عليهم إلا أن ينتهزوا فرصة قدوم جيش الاحتلال لتحريرهم.
وتارة أخرى يقولون لأهل
السنة إنهم أصحاب الأغلبية العددية، إضافة إلى تأصلهم في العراق.
ثمة
تارة أخرى يحيون التطرف والتشدد العرقي الكردي، تحت شعار المظلومية التي تعرض لها
الشعب الكردي طيلة تاريخ العراق الحديث.
نشأت عن التقسيم السياسي الطائفي، الذي
أريد به أن يكون حجر الأساس في الوجود العراقي الجديد، طبقة من السياسيين.
هؤلاء
لا يرون شيئاً أبعد من أطراف أنوفهم.
لا يدركون ما يحملون بين أيديهم وما يجري
بين وتحت أقدامهم.
أحزاب مذهبية وعرقية، حتى النخاع، متعطشة للكراسي والمناصب
والأموال، مهما يكن الثمن.
ينخر الفساد والمحسوبية أركان المؤسسات التي
يديرونها.
يستخدمون الإعلام والكذب والتضليل وسيلة للتغطية على إخفاقاتهم، ما
أمكنهم ذلك.
العملية السياسية المستوردة من الخارج أثبتت حقيقة لا لُبس فيها،
ألا وهي أن صندوق الاقتراع ناتج من العملية الديمقراطية، وليس العكس.
في الدول
الديمقراطية يُستعمل صندوق الاقتراع للفصل بين المرشحين المتنافسين بعد ممارسة
للديمقراطية، ولعقود من السنين.
كان من الأجدر اعتماد تعليم الديمقراطية
للأجيال، خاصة الصغيرة الشابة منها.
ذلك قبل أن تنتقل إلى الجماهير على نطاق
واسع، وتُدلي الأخيرة بأصواتها للمرشحين.
لن يجدي نفعاً جلب صناديق اقتراع
لمجموعة متنافسة من الإقطاعيين السياسيين والطائفيين وعشاق السلطة، التقليديين
وأباً عن جدٍّ.
التفجيرات والاغتيالات والقتل والتمييز على الهوية، هي أبرز
نتائج العملية السياسية المستوردة.
أعمال العنف الأخيرة، أو ما يُعرف بالاثنين
الدامي، غطت معظم أنحاء العراق من الشمال إلى الجنوب.
لا غرابة في ذلك، فهذه
إحدى نتائج المحاصصة الطائفية، السياسية، وما يتبعها من استقطاب طائفي
وعرقي.
يتأثر بهذا الاستقطاب "السائد"، الأطفال والشيوخ والنساء والرجال،
والمتعلمون والجاهلون والمثقفون.
العراق اليوم يجثم فوق مستودع متفجر من
الحساسيات الإثنية.
هنالك "دمامل اجتماعية" ملتهبة، وأخرى هادئة موبوءة بالحقد
والشحن الطائفي، قابلة للانفجار ودون سابق إنذار.
صراعات مذهبية داخلية تستعر
بين أتباع الأتباع، وأخرى عبر الأديان وثالثة عبر الأعراق.
أركان الحكم الحالي
عاجزون عن القيام بأي شيء يُذكر لإصلاح الموقف.
ذلك إرث مأخوذ عن السابقين منذ
الحاكم العسكري الأميركي الأول "توماس غارنر"، تلاه الحاكم المدني "بول بريمر"،
وفيما بعد مجلس الحكم؛ الأخير صاحب أوسع طيف إثني سياسي حاكم في التاريخ
البشري.
تلت ذلك ثلاث حكومات؛ اثنتان برئاستين مذهبيتين، والثالثة مذهبية مقنّعة
بالعلمانية.
هذه جميعاً فشلت في توفير الحد الأدنى المقبول من
المطلوب.
المواطن العراقي البسيط الفقير هو الضحية التقليدية الذي يدفع فاتورة
الصراع السياسي على الدوام.
يعاني العراقي الفقر والجوع وفقدان الأمن والاستقرار
والأمان والتعليم...
المتتبع للمشهد العراقي الدامي بغزارة يعز نظيرها، يرى أن
الفساد والخلافات السياسية تعصف بكافة المؤسسات التي نشأت بعد الاحتلال.
يشمل
ذلك مجالس الرئاسة والحكومة والبرلمان والقيادات الأمنية والهيئات الأخرى، مثل هيئة
النزاهة ومفوضية الانتخابات والمحكمة العليا وهيئة المساءلة والعدالة.
هذا
إضافةً إلى الفساد الطبيعي الناجم عن إعطاء الشركات الرأسمالية، الحرية في رقاب ودم
الشعب.
بات من الصعوبة بمكان الوصول إلى قرار موحد ملزم للجميع.
ربما ذلك هو
هدف الاحتلال الخارجي، للوصول بالعراق إلى طريق مسدود ومصير مجهول.
وذلك ما يؤدي
به في النهاية إلى زواله عن الخريطة الجيو-سياسية، كوحدة كاملة متكاملة مستقلة،
وذات اعتبار محلي وإقليمي ودولي.
الحرب الأهلية الشاملة باتت شبحاً يطارد الطبقة
السياسية الحاكمة والشعب، على حد سواء.
حقيقة، ما يحصل في العراق ناجم عن عدم
ترسّخ الفكر والنفَس الديمقراطيين بالشكل السليم.
هنالك أربع مجموعات رئيسية
تقليدية تتنافس على الإمساك بمصير العراق؛ ائتلافات دولة القانون والوطني والكردي،
والقائمة العراقية.
واقعياً وبشيء من التفصيل، فإن وصول هذه الفئات إلى هذا
المستوى من توزيع الحكم والسلطة، هو نتاج الاحتلال الأميركي.
ثمة بعضها مقنّع
بأغطية وطنية، لكن في داخلها يكمن شيطان التفرقة الطائفية والمذهبية والعرقية،
والمعتقدون بالتفوق العددي والفكرولوجي لكل من أعضائها.
حقيقةً وواقعاً وتجربةً
مؤكدةً، فإنه لا يمكن للعراق "الجديد" أن يستمر واحداً موحداً سيداً مستقلاً، في ظل
الصورة السياسية الحالية.
العملية السياسية برمتها باتت تواجه طريقاً
مسدوداً.