جواد البشيتي
المياه العذبة الحلوة هي 1 في المئة فقط من مياه الكوكب الأرضي؛ والزراعة، على وجه العموم، ما زالت قديمة لجهة طرائق ووسائل الريِّ، فظلَّت، بالتالي، المستهلِك الأكبر للمياه العذبة؛ وليس من حلٍّ نهائي لمشكلة المياه العذبة في العالم إلاَّ تحلية مياه البحار والمحيطات، وجَعْل هذه التحلية قليلة الكلفة.
ومشكلة المياه العذبة، أي ندرتها بالمعنيين المطلق والنسبي، هي ككل مشكلة، لا تظهر وتبرز إلاَّ وقد تهيَّأت لها أسباب الحل، أو كانت قيد التهيؤ؛ وهي، أيضاً، تتحدَّى البشر أن يحوِّلوها من سبب لإندلاع الحروب إلى سبب للتعاون.
واليوم، تكاد مياه النيل، والتي لولاها لكانت مصر صحراء قاحلة، أن تشعل فتيل حرب بين "دول المصب"، أي مصر والسودان، وبين بعض "دول المنبع"، وفي مقدَّمها اثيوبيا، التي في حلف إستراتيجي مع إسرائيل ضدَّ مصر، التي تلبِّي من مياه النيل نحو 95 في المئة من احتياجاتها المائية، والتي يتأكَّد لها، في استمرار، أنَّ صراع إسرائيل ضدَّها هو أكبر وأعظم من أن تنهيه أو تنال من قوَّته معاهدة السلام المبرمة بينهما.
إنَّ المنابع الأجنبية، أي غير العربية، للأنهار التي تصب أو تجري في بلاد عربية هي من أهم منابع التهديد الدائم للأمن القومي العربي بمعناه الشامل. على أنَّ هذا لا يتعارض؛ بل يتوافق، مع حقيقة أخرى هي أنَّ العرب لا يملكون من أنظمة الحكم "ومن العلاقة بين دولهم" إلاَّ ما يجعل الأمن القومي العربي بنياناً كرتونياً في مواجهة هذا التهديد المائي الإستراتيجي.
النيل، الذي يجري في السودان ومصر، ويصب في مصر، إنَّما ينبع من أراضي دولٍ غير عربية، كاثيوبيا "التي تجاهر بعدائها للعرب" وأوغندا؛ ودجلة والفرات ينبعان من الأراضي التركية؛ والأردن احتلت إسرائيل منابعه "في جبل الشيخ في الجولان". و"السدود"، التي تُحْتَجَز فيها كميات ضخمة من المياه من أجل توليد الطاقة الكهربائية، هي الآن ما يشدِّد الميل لدى "دول المنابع" إلى انتهاج سياسة مائية يمكن أن تتسبَّب بحروب مع "دول المصب"، أو "دول الجريان".
من قبل، وفي منطقة جنوب شرق الأناضول، أقامت تركيا "ضمن مشروعها الاقتصادي الإستراتيجي المسمى "مشروع الغاب" سدَّ أتاتورك لتوليد الطاقة الكهربائية، محتَجِزة فيه كمية ضخمة من المياه، ما أدَّى إلى تضاؤل الحصص المائية لسورية والعراق.
واليوم، تحذو اثيوبيا، وبدعم من إسرائيل، حذو تركيا، فهي أقامت سدَّاً على بحيرة "تانا" الواقعة في الهضبة الاثيوبية، والتي هي أهم موارد نهر النيل؛ وتعتزم التوسُّع في بناء السدود، توصُّلاً إلى أن تغدو أكبر دولة مُصَدِّرة للكهرباء في شرق أفريقيا "ومن الدول الكبيرة في تصدير المواد الغذائية المتأتية من ازدهارها الزراعي المتأتي من اختزانها مزيداً من المياه من أجل الري".
إذا مضت اثيوبيا "مع دول أخرى من دول المنبع" قُدُماً في "حرب السدود" ضدَّ مصر والسودان، والتي تشارِك فيها إسرائيل في طرائق شتَّى، فإنَّ حصَّتي مصر والسودان من مياه النيل ستتضاءل كثيراً، وسيصبح الأمن المائي لمصر عرضة لمخاطر حقيقية وكبيرة؛ وقد تُضطَّر مصر "والسودان" إلى دفع رسوم مقابل حصولهما على ما تحتاجان إليه من مياه النيل.
وهذا التهديد المائي لأمن مصر القومي سيزداد إذا ما انفصل جنوب السودان بعد الاستفتاء الشعبي المقرَّر إجراؤه في كانون الثاني 2011، فهنا، أي في جنوب السودان، يمر النيل الأبيض، الذي يرفد نهر النيل؛ وقد يتوقَّف العمل نهائياً في مشروع بناء "قناة جونقلي"، الذي تعوِّل عليه مصر كثيراً، لكونه يُحسِّن تدفق النيل الأبيض، ويزيد، بالتالي، حصَّتها من مياه النيل. وهناك من يدعو مصر إلى التسليم بالأمر الواقع "الذي خلقته وتخلقه اثيوبيا بالتعاون مع إسرائيل" والأخذ بخيار آخر هو أن تشتري مصر من اثيوبيا المواد الغذائية والطاقة الكهربائية!
إنَّ لمصر الحق في أنْ تدرأ المخاطر الاثيوبية "الإسرائيلية" عن أمنها المائي الإستراتيجي ولو بالقوَّة العسكرية، فالسدود التي تقام على المنابع يمكن أن تُضْرَب وتُدمَّر بصواريخ أرض أرض، أو بغارات جوية، أو بعمليات خاصة يقوم بها رجال الكوماندوس؛ كما ينبغي لمصر أن تساهم في حلِّ مشكلة الانفصال المحتمل لجنوب السودان بما يمنع تحوُّله إلى مَصْدَر تهديد لأمنها المائي، وأن تنشر قوى عسكرية على مقربة من اثيوبيا، وفي أريتريا على وجه الخصوص.
إسرائيل الحقيقية، أو إسرائيل التي سنراها، مستقبلاً، على حقيقتها العارية من الأوهام العربية، هي إسرائيل التي لا تعيش، ولا يمكنها أن تعيش، إلاَّ في الحرب، وبالحرب، على البقية الباقية من مقوِّمات الوجود القومي للعرب، وعلى "الأمن القومي العربي"، بمعناه الشامل، فغايتها التي لا تعلوها غاية كانت وستبقى الإعداد والتهيئة لقيام ما يسمَّى "إسرائيل العظمى"، التي علاقتها بالعرب، أو الدول العربية، لا تختلف، شكلاً ومحتوى، عن علاقة الولايات المتحدة بالدول التي تقع جنوبها؛ أمَّا "السلام"، مع توأمه "التطبيع"، فلا تجنح إسرائيل له، ولا تسعى إليه، إلاَّ إذا ثَبُت لديها وتأكَّد أنَّه الطريق إلى مزيدٍ من الإضعاف والهدم للوجود وللأمن القوميين العربيين؛ ولقد أتت التجربة بما يقيم الدليل على أنَّ السلام، ومشتقاته، هو الطريق الذي كلَّما مضت إسرائيل فيه قُدُما زادت قوَّة وبأساً، وكلَّما مضى العرب فيه قُدُما زادوا ضعفاً ووهناً.
وإسرائيل الحقيقية الواقعية الفعلية تلك، والتي سنراها مستقبلاً في وضوح أكثر وأشد هي إسرائيل التي تشبه وزير خارجيتها ليبرمان. من قَبْل، هدَّد مصر، الدولة العربية الأولى التي أقامت السلام مع إسرائيل، بتدمير سدها العالي؛ ثمَّ زار الدول الإفريقية التي في أراضيها تقع منابع نهر النيل "ومصر هِبَة النيل" ليزيِّن لها أمْر قيامها بما من شأنه تقليص حصَّة مصر من مياهه، والتي، أي مصر، ستشتد حاجتها، مستقبلاً، أي بعد بضع سنوات، إلى مزيد من المياه الحلوة العذبة.
ليبرمان ركَّز اهتمامه في اثيوبيا، التي يقع فيها المنبع الأكبر والأهم لنهر النيل، والتي لديها من الأسباب الواقعية للإحساس بأنَّها تملك، ويمكن أن تملك، من "القوَّة" ما يغريها بالاستئساد المائي على مصر، وباحتجاز قسم كبير من مياه النيل في سدود تعتزم إقامتها بالتعاون مع العدو القومي الأوَّل للعرب، أي إسرائيل، فمصر، كما تراها مستقبلاً "إسرائيل العظمى"، التي ليبرمان عين من عيونها، هي التي تَغْرَق في مياه النيل، وفي الظلام، من خلال تدمير سدها العالي، أو التي يموت بشرها وزرعها عطشاً من خلال السدود الاثيوبية، وغير الاثيوبية، المحمية بالدرع الإسرائيلية.
أمَّا نتنياهو فها هو يُرْسِل الرسائل إلى زعماء دول كينيا وبوروندي والكونغو، ناصحاً إيَّاهم نصيحة "صديق لصديق" أن ينضموا إلى "الحلف المائي الاثيوبي- الإسرائيلي"، الذي انضمت إليه أوغندا وتنزانيا ورواندا.
إنَّها إسرائيل العطشى إلى المياه الحلوة العذبة، والتي تعطَّشت إلى حرب 1967 إذ اشتد شعورها بالعطش إلى الماء، فاحتلت جبل الشيخ الذي فيه تقع منابع نهر الأردن، والضفة الغربية التي بعض مناطقها غني بالمياه الجوفية. ولقد سعت كثيراً "ولم تتخلَ عن سعيها" إلى حَمْل مصر على تزويدها جزءاً من مياه النيل؛ ولكنَّها لم تحصل منها "حتى الآن" إلاَّ على الغاز الذي في حصولها عليه نرى مصلحتها هي في حجم حصَّة الأسد. حتى السرقة اتَّخذتها إسرائيل وسيلة للحصول على مزيد من المياه الحلوة العذبة، فسرقت، وتسرق، بعضاً من مياه الجنوب اللبناني.
وأحسب أنَّ إسرائيل تتذكَّر في استمرار الوصية المائية لرئيس وزرائها الأوَّل والمؤسس لدولتها، أي بن غوريون، والتي قال فيها بلهجة الآسِف إنَّ الجزء الأكبر من مياه نهر الليطاني اللبناني "اللبناني في منبعه ومجراه ومصبه" يذهب هدراً إلى البحر المتوسط، "فَلِمَ لا يصب الجزء الأكبر من مياهه في الأراضي الإسرائيلية"!
حتى "قناة البحرين"، بصورتيها، أي القناة التي تصل البحر الميت بالشطر الإسرائيلي من البحر المتوسط، أو القناة التي تصل البحر نفسه بالبحر الأحمر، لا يمكن فهمها إلاَّ على أنَّها محاولة إسرائيلية خبيثة لتهويد كل مياه نهر الأردن. من قبل، والآن، اغتصبت إسرائيل، وتغتصب، جزءاً كبيراً من مياه نهر الأردن، من خلال تمريرها هذا الجزء بقناة في داخل أراضيها؛ أمَّا غداً فتريد تحويل مجرى النهر، عند نقطة مصبه في البحر الميِّت، غرباً، أي في اتِّجاه الداخل الإسرائيلي. ولمَّا كان منع مياه نهر الأردن من أن تصب في البحر الميِّت يتسبَّب حتماً ب"دفن" هذا البحر "الميِّت"، ظهرت إلى حيِّز الوجود "السياسي" فكرة "قناة البحرين"، التي تأتي للبحر الميِّت بالمياه "المالحة" من البحر المتوسط، أو البحر الأحمر، فيصبح في مقدور إسرائيل، عندئذٍ، منع المياه الحلوة العذبة لنهر الأردن من أن تذهب "هدراً" في "بحيرة لوط".
ولا ريب في أنَّ "المياه "العذبة الحلوة"" كانت كامنة دائماً في أساس السعي الإسرائيلي لإنشاء وتطوير "التحالف الإستراتيجي" مع تركيا الغنية بهذه المياه.
النيل، الذي لا ريب في أهميته الوجودية لمصر، ينبع معظمه من أراضي دولة "اثيوبيا" تشبه إسرائيل لجهة قوَّة عدائها للوجود القومي العربي؛ ومنابع نهر الأردن في جبل الشيخ "جبل حرمون" غدت بعد، وبفضل، حرب 1967 في القبضة الإسرائيلية؛ أمَّا نهرا دجلة والفرات، اللذان لا ريب في أهميتهما الإستراتيجية لسورية والعراق فينبعان من أراضي تركيا، التي، بإقامتها سد أتاتورك، وبتنفيذها "مشروع الغاب" في جنوبها الشرقي حيث يتركز الوجود الكردي، منعت قسماً كبيراً من المياه الحلوة العذبة من الوصول إلى الأراضي السورية والعراقية.
وكان الهدف الضمني، غير المعلن، والذي لا موجب للاعتقاد بتخليها عنه، هو شق الطريق إلى جعل فكرة "أنبوب السلام "المائي"" حقيقة واقعة، فتركيا تريد نقل المياه الحلوة العذبة من أنهارها "نهرا سيحون وجيحون" عبر أنبوب يمر بالأراضي السورية، وتتفرَّع منه أنابيب تنقل تلك المياه إلى الأردن وإسرائيل، ودول الخليج العربية العطشى إلى هذه المياه.
إنَّه أنبوب ينقل المياه للشرب فحسب، ويعود على أنقرة بالقطع النادر، ويشجِّعها على المضي قُدُما في احتجاز المياه بسدودها من أجل التنمية الزراعية، وتوليد الطاقة الكهربائية، ولو كانت العاقبة هي منع الجزء الأكبر من مياه دجلة والفرات من الجريان في الأراضي السورية والعراقية.
إسرائيل، التي لها مصلحة كبرى في منع السيادة السورية من العودة إلى الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية، التي هي خزَّان المياه الأكبر لديها، وفي منع دمشق، بالتالي، من الحصول على حصَّة من مياه طبرية، وقفت إلى جانب تركيا في سعيها إلى إقامة هذا الأنبوب.
ولمَّا كان العراق عراقاً "أي شاطئ" أمن وأمان للعرب، توفَّرت بغداد على الإعداد لمشروعٍ للإفادة القصوى من مياه دجلة والفرات، فالنهران اللذان يلتقيان "في الأراضي العراقية" قبل أن يصبَّا "أي قبل أن تذهب مياههما هدراً" في الخليج يمكن أن تُنْقَل مياههما عبر أنبوب، أو قناة، إلى الداخل العراقي، وإلى دول الخليج العطشى إلى المياه الحلوة العذبة، فإذا حاولت تركيا احتجاز مزيد من مياههما في سد أتاتورك أحبط العراق القوي محاولتها، فهذا السد يمكن أن يصبح عرضة لمخاطر عراقية "خطر ضربه بالصواريخ مثلاً" بما يدرأ المخاطر التركية عن الأمن المائي العربي. ولكن، هل حال العرب، وأمنهم القومي، مع "الذهب الأبيض"، أي الماء، أفضل من حالهم مع "الذهب الأسود"، أي النفط، ومع "الذهب الأصفر"؟
نحن الأمَّة النفطية الأولى في العالم؛ ومنابع "الذهب الأسود" عندنا؛ أمَّا مجاريه ومصابِّه فليست في اقتصادنا، وإنَّما في اقتصاد غيرنا، وبعضهم، وأهمهم، مِمَّن هُمْ لنا خصم مبين. المنابع عندنا؛ ولكنَّنا لا نَعْرِف من التملُّك لما يتدفق منها، أي "الذهب الأسود"، إلاَّ ما يجعلنا كمثل مالِك أرضٍ زراعية خصبة، يفضِّل بيعها هي على بيع ما يمكن أن يأتي به زرعها إذا ما زُرِعَت، فالنفط، الذي نملك منابعه، لا يَعْرِف فينا من القوى ما يسمح بجعله مُوَلِّدا ومُنْتِجاً للثروة، وكأنَّه نهر الليطاني يذهب معظم مائه هدراً في البحر!
ليس بالكيمياء، وإنَّما بتجارةٍ هي دون تجارة قريش منزلةً ومكانةً، نُحوِّل "الذهب الأسود" إلى "ذهب أصفر"؛ ولكنَّ حالنا مع "الذهب الأصفر" لا تقلُّ سوءاً عن حالنا مع "الذهب الأسود"؛ لأنَّه ما أن يصل إلى أيادينا حتى يتحوَّل إلى ما يشبه "ذهب أيلول"، الذي تغنَّت به فيروز، أي إلى "أوراق شجرٍ خريفية متساقِطة"، نحسبها "ثروة نقدية"، وقوامها "الورقة الخضراء "الضاربة إلى الصفرة"".
غيرنا يُحوِّل "الورق"، أو ما يشبهه، إلى "ذهب أصفر"؛ أمَّا نحن فلا مُضاهي لنا في تحويل "الذهب الأصفر" إلى تلالٍ من الأوراق؛ وقد كان ينبغي لنا أن نستثمر بعضاً من تلك القناطير المُقَنْطَرة في بناء الأمن المائي العربي. . في تحلية مياه البحر، وفي تنمية مواردنا من المياه الحلوة العذبة، وفي تطوير الزراعة بما يقلِّل حجم ما تَسْتَهْلِك من تلك المياه، وبما يجعل أمننا الغذائي بمنأى عمَّا يُحْدِق به الآن من مخاطر، فحُصَّة ما نستورد من غذاء، ومن الحبوب على وجه الخصوص، تتسع وتَعْظُم، وكأنَّ لنا مصلحة في أن نكون في تبعية غذائية إستراتيجية للقوى الغذائية العظمى "إنتاجاً وتصديراً" والتي بعضها، وأهمها، له مصلحة حقيقية في هدم الوجود القومي العربي ليبتني من حجارته "إسرائيل العظمى". أمَّا السودان الذي في مقدوره أن يُطْعِم العرب جميعاً فيجب أن يظل نسياً منسياً في "عقيدة الاستثمار العربية"!
عقيدتنا الاستثمارية حان لها أن تتغيَّر بما يشحنها بسياسة تستهدف درء المخاطر عن الأمن القومي العربي، والتأسيس لسوق عربية مشتركة، فَلِمَ لا يُسْتَثْمَر جزء كبير من مخزون العرب من القطع النادر في اثيوبيا، وغيرها من دول منبع النيل، فتُقام السدود "لتوليد الطاقة الكهربائية وللريِّ الزراعي" بأموال عربية، فيتَّسِع النفوذ العربي، ويتقلَّص النفوذ الإسرائيلي، وتُقْتَسَم مياه النيل بما لا يعود بالضرر على الأمن المائي لمصر والسودان؟ ولِمَ لا يُسْتَثْمَر، أيضاً، في تحلية مياه البحر، وفي تطوير أساليب وطرائق الريِّ الزراعي، فيصبح ممكناً، بالتالي، زيادة الإنتاج الزراعي بكمية أقل من المياه العذبة؟
إنَّ كل ما يأتينا به بيع "الذهب الأسود" من قطع نادر، يُسْتَثْمَر؛ ولكن بعيداً عن "اقتصادنا الحقيقي"، وضدَّه، وبما يزيد أمننا المائي والغذائي ضعفاً، وبما يعود بمزيدٍ من الضرر على أمننا القومي الإستراتيجي، ففي "صفقات السلاح" نهدر كثيراً من ثروتنا، ونهدر معها كثيراً من أمننا القومي الإستراتيجي، فكلَّما تسلَّحنا أكثر، ضعفنا "عسكرياً" أكثر، وسعينا في طلب مزيدٍ من الحماية الأجنبية، التي بعضها، وأهمها، من قوى دولية وإقليمية تتربَّص بنا الشرور والدوائر!
في عصرٍ، تكثر فيه، وتتكاثر، "الأمم الفضائية"، التي تغزو الفضاء بأقمارها الاصطناعية وصواريخها ومركباتها ورجالها. . ، نعيش، أي نطلب مزيداً من الموت الحضاري والسياسي والاقتصادي والثقافي. . ، وكأنَّنا لا نفهم المستقبل إلاَّ على أنَّه عودة إلى الماضي. . إلى الصحراء وطناً، وإلى الخيام والمضارب بيوتاً ومنازل، وإلى القبيلة مجتمعاً ودولةً، وإلى "الجِمال" نمط عيش وتفكير، وإلى "الكلام" صناعةً لا نجيد غيرها!.
العرب أونلاين