عبدالواحد الزنداني
ارتكبت فجر أمس الاثنين بحق أسطول الحرية المتجه إلى غزة المحاصرة؟ وكيف نتوقع رد
الفعل التركي على هذا السلوك البربري الذي طال تركيا هذه المرة؟.
من المعروف أن
حكومة أوردغان تمكنت من الوصول إلى سدة الحكم في تركيا العلمانية التي كانت حليفاً
لإسرائيل لعقود عدة ولا يخفى على المتابعين أن حكومة أوردغان تمكنت من انتهاج سياسة
خارجية أحرجت
إسرائيل غير مرة وخاصة بعد الحرب التي شنتها إٍسرائيل على قطاع غزة منذ عام
ونصف تقريباً، والمراقب للسياسة التركية يلاحظ براعة حكومتها في تمكنها من توحيد
الصف الداخلي في تركيا وحشده وراء حكومته التي تمكنت معه من ممارسة سياسة خارجية
طموحة تميزت ببراعتها في النجاة من الشراك الذي ينصبه النظام الدولي الذي تسلط عليه
الغرب منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، تلك السياسة التي حولت تركيا إلى فاعل رئيسي في
منطقة الشرق الأوسط أعيت الغرب وربيبته إسرائيل ولم تجد أسلوباً مبرراً لعرقلة
الانطلاقة التركية التي باتت تشكل عائقاً للإستراتيجية الغربية في الشرق
الأوسط..
فتركيا قامت بدور بارز في تعرية الوجه القبيح لإسرائيل بشأن حصار غزة
وصرخت في وجه إسرائيل مراراً مبينة أن ما ترتكبه في حق المحاصرين العزل في غزة
جريمة دولية لن تمر بسلام، وما إرسالها لأسطول الحرية إلا مثالاً لسياستها الحكيمة
في فك حصار قطاع غزة بأسلوب تعجز معه إسرائيل في استمرار الحصار، خاصة بعد أن ضم
الأسطول 50 جنسية، أما الإتحاد الأوربي فلم يعد قادراً على تقديم مبررات موضوعية
لمنع تركيا من الانضمام إليه لينكشف جوهره العنصري أمام العالم ويخبو زهوه المتمسح
بمظاهر حضارية من قبيل العدالة والإنسانية والحرية التي ثبت زيفها أمام السياسة
التركية التي جففت منابع الأعذار الأوروبية المتلاحقة، أما الولايات المتحدة فلقد
صفعتها السياسة التركية مؤخراً بتوقيعها اتفاقية ثلاثية مع إيران والبرازيل لتبدد
الإدعاءات الغربية الواهية بشأن حرمان إيران من حقها في إنتاج الطاقة النووية،
وكشفت ألاعيب الغرب في الرغبة باحتكار السلاح النووي ليتمكن من استمرار ابتزاز
العالم دونما قيد أو شرط.
كل ما سبق لم يترك مجالاً أمام قوى الاستكبار العالمي
إلا أن تتواطأ وتسلط إسرائيل لترتكب حماقة جديدة من حماقاتها المتكررة وترتكب مذبحة
بشعة على متن السفينة التركية مستهدفة المسلمين والعرب دون غيرهم من الجنسيات، وهذا
العمل البشع لم ترتكبه إٍسرائيل بمفردها، فلا شك أن الضوء الأخضر قد منح لها من تلك
القوى الدولية الغاشمة التي قررت أن توجه ضربة تحت الحزام للحكومة التركية التي
ستجد نفسها في موقف حرج أمام شعبها الغيور، فتدفعها بذلك إلى ارتكاب عمل ما يزج بها
إلى ساحة المواجهة مع قوى الاستكبار الدولي وهو أمر سيحد حتماً من الانطلاقة
التركية ويغير مسار حركتها المنطلقة إلى الأمام، وإن لم تفعل فإنها ستدفع الثمن من
شعبيتها ومكانتها أمام الشعب التركي مركز قوتها الحقيقية وبهذا فهي تعيدها خطوة إلى
الوراء في مواجهة الشعب التركي الذي لن يكون راضياً بهز صورة تركيا في العالم، هذا
فضلاً عن أن تلك القوى الغاشمة قد تعمل على توجيه ضربة وربما ضربات أخرى لتركيا
لتتمكن من حرق كرتها أمام الناخب التركي فتسقط من خلال صندوق الاقتراع مثلما صعدت
من خلاله.
مما سبق ندرك أن تركيا أمام هذه الجريمة الإسرائيلية في مأزق حرج، إلا
أننا ما زلنا نعول بعد الله سبحانه وتعالى على حكمة صانع القرار التركي الذي وضع
أمام هذا التحدي ونحن ندرك أن تركيا دولة مؤسسات وأن صناعة القرار فيها لا يتم
بطريقة اعتباطية أو مفاجئة، لذا لا نشك أن تركيا كانت تتحسب لأي تصرف إسرائيلي همجي
وأنها ستكون جاهزة بطريقة ما لخوض التحدي، فما يجري هو امتحان جديد لصلابة
الديمقراطية التركية، فالحكومة التي ترتكز على الشعب تستمد قوتها بعد الله منه،
ولذا نتوقع أن تخوض تركيا صراعاً دبلوماسياً حاسماً مع قوى الاستكبار العالمي، ولعل
هذا ظاهر من تصريحاتها المبدئية بشأن الرد على الصلف الصهيوني فلقد بينت مبدئياً أن
تصرف إٍسرائيل قد يؤدي إلى عواقب غير متوقعة، وقامت على الفور باستدعاء سفير
إسرائيل في أنقرة لتوبيخه واستدعت سفيرها في تل أبيب، وكما أوضح كبار مسئوليها بأن
الدبلوماسية التركية في حالة تواصل وتنسيق مستمر مع الدول العربية والإسلامية
والمنظمات الدولية والدول الكبرى لاتخاذ موقف واضح ضد البلطجة الصهيونية، وهذا عمل
من شأنه أن يحرق إسرائيل ويجعلها تخسر المعركة الدبلوماسية والإعلامية ويكشف بشكل
أعمق عن جوهرها البغيض.
ما سبق قد يهدئ إلى حد ما من روع الشعب التركي لكنه لن
يكون كافياً لإخراج الحكومة التركية من مأزقها ويحفظ ماء وجهها، ولذا فإن على صانع
القرار التركي أن يدرك بأنه أمام مفترق طرق خطير وغير عادي، فإما أن يتوجه بحصافة
شرقاً وينضم إلى قوى الممانعة العالمية على غرر فنزويلا وكوبا وإيران وكوريا
الشمالية وهذا سيعيد تركيا من الناحية الاقتصادية عقوداً إلى الوراء ويدفعها
بالمقابل من الناحية السياسية عقوداً إلى الأمام، أما أن يستمر غرباً ويبتلع هذه
الإهانة ويحترم قوى الاستكبار العالمي ويحد من انطلاقته وطموحه وأحلامه ويستمر في
الدوران في فلك الغرب..
ولكن يظل السؤال قائما هل يقبل الشعب التركي ذلك؟!.