;

قافلة الحرية ... شهامة الأتراك وصمت العرب 1131

2010-06-02 03:28:00

فهد
الباهري


لماذا
هاجمت إسرائيل القافلة البحرية في المياه الدولية، ولم تنتظر وصولها إلى المياه
الإقليمية لغزة المحتلة؟ السبب أن القيادة الإسرائيلية تعلم أن الضجة ستكون أكبر،
والقضية ستكون معقدة، وستضطر القوى المعتدلة في المنطقة إلى الانكماش والتراجع،
وسيخرج قطار التفاوض عن مساره، وهذا ما قد يحدث غداً.

بسبب جريمة قتل المتظاهرين في «قافلة الحرية»، لن يستطيع الرئيس
الفلسطيني محمود عباس البدء في التفاوض الذي رضي
به قبل فترة قصيرة بعد ضمانات وتطمينات ووعود عربية ودولية.

الآن
كله يتبخر بفضل ضغط حلف إيران الذي سير القافلة، وجريمة نتنياهو الذي حولها إلى
قضية دولية.
هل ارتكب الإسرائيليون خطأ جسيماً في السياسة لا يمكن إصلاحه
باعتدائهم على "أسطول الحرية" وإنزالهم قتلى وجرحى من الوفد الإنساني المتعدد
الجنسيات؟ للمرة الأولى منذ بدء التحول في الموقف التركي حيال قضايا المنطقة،
وللمرة الأولى أيضاً منذ بدء تصاعد التوتر بين أنقره وتل أبيب، تغامر الحكومة
الإسرائيلية في دفع علاقاتها مع تركيا إلى الانهيار الشامل من خلال الاعتداء على
مواطنين أتراك.
وقد كان معلوما أن مشروع توجيه الأسطول نحو غزة حظي بتشجيع
الحكومة التركية التي كان يفترض عليها ان توفر الحماية له من أي اعتداء
إسرائيلي.
لكن ما حصل أن الإسرائيليين دفعوا الأمر إلى حافة الهاوية على اعتبار
أن وصول الأسطول إلى شواطئ غزة بحماية تركية يغير من معطيات الواقع على الأرض، فضلا
عن انه يقوض قدرة الردع الإسرائيلية التي تأثرت سلبا منذ حرب تموز
2006.
الاعتداء الإسرائيلي على الأسطول جاء حدث نتيجة تدخل تركي في الصراع مع
الفلسطينيين حيث غامروا بفرض قطيعة مع أنقرة التي شكلت على مدى عقود طويلة عمقا
استراتيجيا لإسرائيل المطوقة من جيرانها العرب.
فإذا بتركيا ترفع جدارا بينها
وبين الدولة العبرية وتتنافس مع العاهل الإيراني بوسائل وأساليب أخرى على انتزاع
الورقة العربية عبر تصدر الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وتثقيل الموقف الفلسطيني
المتشدد الذي كانت إيران حتى حرب غزة الأخيرة (2008-2009 ) شريكه الاستراتيجي
الإقليمي الأوحد.
حدث الاعتداء.
وكان واضحا من خلال سقوط هذا العدد الكبير من
الضحايا أن قراراً أعطى للجيش الإسرائيلي بعدم ضبط النفس، وإلا لما بررت كل
الروايات الإسرائيلية عن انتزاع سلاح من يد جندي، إطلاق النار بكثافة أدت إلى سقوط
كل هؤلاء القتلى والجرحى.
إذا هناك قرار إسرائيلي بالتصعيد.
ولا يستبعد أن
يكون دافعه محاولة تل أبيب ترميم القدرة الردعية التي تتآكل في كل يوم يمر من دون
أن تجد حلا لمعضلة غزة أو لبنان.
واليوم فإن المواجهة مع تركيا التي بلغت حدها
الأقصى، ستعيد رسم خطوط التوتر الجديدة في المنطقة، وخصوصاً أن تصرف إسرائيل
التصعيدي في أزمة "أسطول الحرية" وتحديدا مع تركيا، ينبئ بمنحى إسرائيلي إلى ترميم
القدرة الردعية بأي ثمن.
بناء على ما تقدم، ثمة سؤال مطروح بالنسبة إلى الواقع
اللبناني: هل تقرر إسرائيل شن حرب على "حزب الله" في إطار سياسة ترميم قدرتها
الردعية؟ إن الاستحقاقات المترتبة على رغبة المجتمع الدولي في تحريك السلام مع
الحديث عن مبادرة يجري التحضير لها تقضي بفرض حل نهائي أميركي - دولي على الجانبين
الإسرائيلي والفلسطيني، كلها تجعل من الحكومة اليمينية في إسرائيل أكثر اضطرابا،
مما يعني أن خطر الانزلاق نحو حرب في المنطقة بات محتملاً أكثر من أي وقت
مضى.
ويتزامن الواقع المشار إليه مع اضطراب إيراني كبير بفعل اقتراب موعد فرض
العقوبات عليها في مجلس الأمن في إطار النزاع حول البرنامج النووي، مما يشكل تقاطعا
إسرائيليا - إيرانياً موضوعياً على أن إشعال حرب جديدة يعيد خلط الأوراق، ويؤجل
استحقاقات كبيرة داهمة أكثر من أي وقت آخر.
أما بالنسبة للبنات ، المطلوب ضبط
هوامش التحرك لدى الجميع بحيث لا تؤدي مغامرة شبيهة بمغامرة 12 تموز 2006 إلى وضع
لبنان على مشرحة التقاطع الإقليمي الدموي.
يجب أن يتحلى المسؤولون بالشجاعة
الكافية للتخلي عن خطاب خشبي لا يعكس حقيقة الخطر الكبير الذي يحوم فوق رؤوس
اللبنانيين.
فثمة ثوران هائجان في المنطقة ينبغي الابتعاد عن طريقهما! ما الذي
كان يضير الإسرائيليين لو سمحوا للقافلة بالدخول، والرسو، وإلقاء المشاركين خطبهم
الحماسية، ثم الإبحار عائدين إلى بلدانهم؟ فعلا، لا شيء.
خصوصا وأنها قافلة
رمزية لا تهدم جدرانا أو تحفر أنفاقا.
هم يريدون تخريب المفاوضات، وهي تريد
تخريبها أيضا، وهنا خدمت القافلة الطرفين من دون الحاجة إلى تنسيق أو إصدار
بيانات.
كان بإمكانها السماح للسفن بالدخول وهي تعرف أن السماح لها لن يعني أبدا
إنهاء الحصار.
فقد سبقها دخول شحنات ووصلت سفن، وغادرت، وبقي الحصار الأرضي
والبحري.
إسرائيل تدرك أنه كان بإمكانها منع القافلة البحرية بسد الطريق بقواتها
البحرية.
وكان بإمكان إسرائيل اقتياد السفن إلى ميناء إسرائيلي واحتجازها
هناك.
وكان بإمكانها تنفيذ عملية إنزال الكوماندوز والسيطرة على قيادة السفن دون
الحاجة إلى استخدام الرصاص الحي، بالغاز المسيل للدموع أو الرصاص البلاستيكي مثلا،
كما هو معهود في أقصى حالات المواجهة مع المدنيين والعزل.
رغم كثرة الخيارات،
فإن القيادة الإسرائيلية اختارت الهجوم المسلح، ومن الواضح أن التعليمات كانت بقتل
عدد من الركاب العزل، وجاءت بعض إصابات القتلى رصاصات في الرأس مباشرة، مما يؤكد
نية الهجوم بتعمد القتل.
أجزم أن القيادة الإسرائيلية المتطرفة الحالية تجد أن
خير حليف لها اليوم هم المتطرفون في المنطقة، والطرفان يحققان الهدف نفسه، إفشال
مشروع أوباما.
إسرائيل تعتقد أن جريمة أمس قد ترفع رد الفعل إلى عنف يسهم في
زيادة شد الخناق على الفلسطينيين، وتعتقد أن العملية ستدفع العرب إلى رفض الحل
السلمي.
طبعا لا بديل عندهم أصلا لإقامة دولة فلسطينية.
وإيران وحلفاؤها يرون
الشيء نفسه ويعتقدون أن فضيحة أمس ستحاصر الدول العربية المعتدلة، وستحرجها سياسيا،
وستلغي المشروع الأميركي الجديد بالتفاوض، كما يفرض معسكر إيران هذا نفسه على
المنطقة بتحقيق أهدافه الأخرى التي ليس منها طبعا تحرير فلسطين ولا مواجهة
إسرائيل.
وقد أثبتت الأحداث الماضية أن المعسكر المتطرف يملك قدرة رائعة على
إثارة الجماهير، وافتعال المعارك الكلامية، وفرض أجندته السياسية بعد
ذلك.
وبفراسة السياسي الماهر يعرف جيدا هذا الفريق حدود رد الفعل من الطرف
الآخر، أي إسرائيل.
فهو يدرك أن تسيير القافلة لن يكسر الحصار، ويعرف أن كسر
الحصار سهل لو أراد ذلك فعلا، أولا من خلال إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي شاليط
الذي لا يستحق احتجازه كل هذه المعاناة التي يدفع ثمنها أكثر من مليون فلسطيني كل
يوم، لكنه لا يريد إطلاق شاليط لأن ذلك يلغي حالة التوتر، فلا يكون هناك حصار
ومواجهات وقضية يرفع قميصها كل يوم لأغراضه الأخرى.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد

 
معلومات التواصل

  location

  06300864 967+

 info@akhbaralyom.net


© جميع الحقوق محفوظة © 2013-2023 صحيفة أخبار اليوم