غندور
على أسطول الحرّية هو خطأ تكتيكي حصل بفعل حماقة وعنجهية المحتل أم كان تصرفاً
محسوباً في نتائجه وردود أفعاله؟ سبب هذا السؤال هو التزامن الذي حصل بين العمل
الإرهابي وبين اللقاء الذي كان مقرّراً بين نتنياهو وأوباما بناءً على دعوة من
الرئيس الأميركي وقبل أسبوع من زيارة رئيس السلطة الفلسطينية
لواشنطن.
فحكومة نتنياهو جرى
تشكيلها في العام الماضي لكي تكون "حكومة حرب على إيران" لا حكومة للسلام مع
الفلسطينيين والعرب.
وهذا الأمر كان وما يزال نقطة الاختلاف الرئيسة مع إدارة
أوباما التي ترى مصلحة أميركية الآن في تحقيق تسوية شاملة للصراع العربي/الإسرائيلي
وعدم التصعيد العسكري مع إيران.
وقد قدّمت إدارة أوباما لإسرائيل تنازلات
وتراجعات في مواقفها بشأن قضية المستوطنات من أجل تسهيل إعادة مسار التفاوض على
المسار الفلسطيني كخطوةٍ أولى مطلوبة من أجل التسوية الشاملة في المنطقة.
لكن
حكومة نتنياهو ليست بوارد السير في مسارات التفاوض والتسوية الآن.
فالهدف ما زال
هو التصعيد العسكري في المنطقة وتوريط الولايات المتحدة في أعمال عسكرية ضد إيران
وخطّ المقاومة الممتد من غزّة إلى طهران مروراً بسوريا ولبنان.
هذا الهدف
الإسرائيلي بالتصعيد العسكري لا يتناسب مع مساعي التسوية الأميركية، ولا مع إصرار
إدارة أوباما على التفاوض مع طهران، ولا مع تحسّن في العلاقات الأميركية السورية،
ولا مع إثارة قضية السلاح النووي الإسرائيلي، ولا مع محادثات أميركية وأوروبية تتمّ
بشكل مباشر وغير مباشر مع حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية.
إذن، العمل
الإرهابي الإسرائيلي على أسطول الحرية ربّما كان يراهن على ردود افعال تؤدّي الآن
إلى تعطيل المساعي الأميركية كما أدّى هذا العمل إلى تأجيل زيارة نتنياهو لواشنطن،
وكما حصل في السابق حينما أعلنت إسرائيل عن بناء 1500 وحدة سكنية استيطانية خلال
زيارة نائب الرئيس الأميركي للمنطقة.
مراهنة نتنياهو، كانت وما تزال، على قوى
الضغط الإسرائيلية في أميركا، على الكونغرس الأميركي الذي أرسل أكثر من 300 من
أعضائه رسالةً لوزيرة الخارجية الأميركية لمنع الضغط على إسرائيل ولوقف أيّ تطوّر
سلبي في العلاقة معها.
مراهنة أيضاً على التيار اليميني المحافظ وعلى قرب
الانتخابات النصفية في أميركا.
مراهنة على الإعلام الأميركي وعلى الدعم الرسمي
الأميركي في المحافل الدولية.
مراهنة على الانقسام الفلسطيني وعلى التفاهم
الحاصل مع الحكومة المصرية بشأن الملف الفلسطيني واستمرار الحصار على غزّة وعلى
العلاقة المصرية السلبية مع دمشق وحزب الله وحركة حماس..
وطبعاً إيران.
ربّما
كان في تقديرات حكومة نتنياهو أنّ ذلك كلّه سوف يغسل أوساخ العمل الإرهابي على
أسطول الحرية كما جرى في حالاتٍ أخرى سابقة أبرزها مصير تقرير غولدستون.
طبعاً،
لم تحسب إسرائيل الحساب لأسلوب المقاومة على سفن أسطول الحرية، تماماً كما فعلت في
الماضي مع المقاومتين اللبنانية والفلسطينية.
فالتخطيط الإسرائيلي كان في حجز
السفن والمتضامين مع غزّة وإذلالهم بأشكال مختلفة دون وقوع إصابات.
لكن المقاومة
المشروعة التي حصلت لمنع وصول الجنود الإسرائيليين للسفن، خاصّةً على السفينة
التركية مرمرة، قلبت الحسابات والموازين.
فارتدّ الإرهاب على الإرهابي وأصبحت
إسرائيل بنظر العالم كلّه دولة إرهاب وإجرام وقرصنة.
وأعلنت الحكومة التركية
مواقف جريئة شكّلت ضغطاً قوياً على واشنطن وعلى حكومات عربية كانت لا تخجل من
المساهمة في الحصار على شعب غزّة.
تركيا العضو في حلف الناتو، تركيا الدولة
العلمانية الساعية للانضمام للاتحاد الأوروبي، تركيا التي تقيم علاقات دبلوماسية
وعسكرية واقتصادية مع إسرائيل وتشترك معها ومع القوات الأميركية في مناورات عسكرية
سنوية في البحر المتوسط..
هذه ال"تركيا" تقول وتفعل ما لا تقوله وتفعله حكومات
عربية مجاورة لفلسطين، وقّعت معاهدات مع إسرائيل، وكانت مسؤولةً عن أراضي قطاع غزّة
والضفة الغربية والقدس حين احتلّتها إسرائيل في يونيو 1967.
مرّةً أخرى ينجح
أسلوب المقاومة في المواجهة مع إسرائيل بما فشلت فيه دبلوماسية
"المفاوضات".
وستؤدّي هذه المقاومة المدنية التي حصلت على سفينة مرمرة إلى إنهاء
الحصار على غزّة وإلى عودة الوعي لمن فقدوه عربياً وحاولوا إفقاد روح هذه
الأمَّة.
وليكن المعيار عربياً في محاسبة الحكومات هو الموقف التركي في الحدِّ
الأدنى رغم أن المقارنة غير منصفة أصلاً بين صديق متضامن وبين شقيق
متخاذل.
فالمسؤولية الفلسطينية والعربية تقتضي فوراً وقف كل أشكال العلاقات
والتطبيع مع إسرائيل وكسر كلّ أنواع الحصار على غزّة وبناء وفاق وطني فلسطيني قائم
على نهج المقاومة ضدَّ عدوٍّ لا يفهم غير لغة المقاومة.