المبحوح
أسطول الحرية منذ إعلان تشكيل الأسطول وبداية انطلاقه تعددت سيناريوهات تعامل إسرائيل مع أسطول
الحرية منذ إعلان تشكيل الأسطول وبداية انطلاقه صوب قطاع غزة، ورغم أن احتمال قمع
المتضامنين ومنع الأسطول من التقدم صوب شواطئ غزة كان وارداً، إلا أن حجم الجريمة
وعظم المجزرة لم يكن يخطر ببال أحد، لكنها في النهاية العقلية الصهيونية الدموية
المجرمة التي لا ترقب في الإنسانية إلاّ ولا ذمة، ولا تحترم مبدأً ولا قيمة، ولا
تراعي أخلاقاً..
فماذا أرادت إسرائيل من خلال هذا العنف الدموي غير
المسوغ ضد أولئك الأبرياء الآدميين الذين كان كل همهم وكل جريمتهم أن يقفوا إلى
جوار إخوانهم المحاصرين في غزة ظلماً وعدواناً، فكان جزاؤهم القمع والقتل والجرح
بدم بارد؟!.
أرادت إسرائيل بفعلها المجرم هذا توجيه مجموعة من الرسائل إلى أطراف
عدة، فالرسالة الأولى لتركيا التي صفعت إسرائيل غير مرة عبر مواقفها المؤيدة للقضية
الفلسطينية، الداعية لرفع الحصار عن قطاع غزة وضرورة التعامل مع حركة حماس، ومع
حكومة إسماعيل هنية، بل أجبرتها مرة أخرى على الاعتذار والتودد.
ووصل الأمر إلى
حد الرجاء في أزمة السفير التركي لدى إسرائيل، ناهيك عن تجاهل أردوغان من خطاب
بيريس والاستهزاء به في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس في يناير 2009، فهي
الفرصة إذن للنيل من تركيا عبر إيذاء وقتل مجموعة المتضامنين الأتراك الذين يقودون
أسطول الحرية، بعقلية الثأر ولو بعد حين دون مراعاة لأي توابع وعواقب في العلاقة
البينية التركية الإسرائيلية، أو ما ستصنعه من أزمة دبلوماسية متوقعة بين
الطرفين.
أما الرسالة الثانية فهي تحديداً لحركة حماس، ومفادها أن أية محاولة
لفك الحصار وإنهاء العزلة السياسية على الحركة، وكذلك كسر الحصار الاقتصادي وعودة
الأوضاع في قطاع غزة إلى سياقها الطبيعي لا بد أن يكون عبر بوابة إسرائيل، وما يتبع
ذلك من استحقاقات سياسية على شاكلة التنازل عن جزء من منظومة القيم والمبادئ
والرضوخ لشروط الرباعية وفتح قنوات الحوار والتفاوض، وأن سياسة محاولة فرض وقائع
جديدة على الأرض لن تمر دون قمع وقتل وسفك دماء حتى ولو كانوا متضامنين أحراراً من
أوروبا وإفريقيا والعالم أجمع.
وأما الرسالة الثالثة فهي لكافة الأحرار
والمتضامنين مع الشعب الفلسطيني، ولكل أولئك الذين ما زالت في قلوبهم وعقولهم بقية
من إنسانية، وبقية من ضمير ورحمة، بأن كل محاولاتكم القادمة لتسيير قوافل وأساطيل
لفك الحصار عن غزة ستواجه بعنف أكبر وبشاعة أشد، فلا يفكرنّ أحد منكم بفعل ذلك، ومن
فعل فلا يلومن إلا نفسه..
إذن هو الوجه الحقيقي لإسرائيل، وجهها القبيح الذي ظهر
جلياً إبان الحرب على غزة العام الماضي، ها هو يعود اليوم للظهور من جديد،
وبالأسلوب ذاته، والوسائل نفسها، ويجب علينا نحن الفلسطينيين أن ننتهز هذه المرة
الفرصة جيداً للنيل منها عبر تشييد أكبر حملة لمناهضة ومعاداة اللاإنسانية، وكشف
زيف الديمقراطية الإسرائيلية وحقيقة صهيونيتها ومعاداتها لحقوق الإنسان، من خلال
توثيق جرائمها وفضح ممارساتها، ومحاكمة قادتها عبر أهالي الشهداء والجرحى العرب
والمسلمين والأجانب الذين سقطوا يوم الاثنين.
ولتكن دماء هؤلاء الأطهار، صفوة
الأحرار وخيرة أصحاب الضمائر الحية عاملاً محفزاً لإعادة اللحمة الفلسطينية وإنهاء
حالة الانقسام الذي طال أمده، ونحو إعادة تفعيل المشروع الوطني الفلسطيني على أسس
جديدة تقوم على الحقوق الفلسطينية المشروعة كاملة غير منقوصة، بما يقتضيه الواقع
وتفرضه الإمكانات.