الأسود
ورغم كل المواجهات المفروضة عليه، ورغم كل التحديات التي تواجه نظامه الوطني، يبقى
اليمن شامخا وعظيما وأصيلا، سواء بحضارته الخالدة، أو بشعبه النبيل، أو بإرادته
الصلبة للحياة، أو بدوره القومي والإنساني العميق.
يوم أمس وصلتني مكالمة هاتفية من الصديق الأستاذ محمد الهوني،
رئيس تحرير صحيفة "العرب العالمية"، الذي يقوم هذه الأيام بزيارة إلى صنعاء، حدثني
خلالها عن ذلك الارتياح النفسي الرائع الذي يشعر به كل عربي يكتب له الله الحلول
باليمن السعيد..
فمن هناك بدأ تاريخ العرب رحلته عبر العصور، مؤسسا لعبقرية دوره
الحضاري العظيم فوق الأرض وتحت الشمس، ومن هناك انبعثت رايات التوحيد والجهاد
والفروسية، وازدهرت واحات الشعر والفن والجمال، وانطلقت جحافل الفاتحين في كل اتجاه
تستوطن القلوب قبل الأرض، حتى أن أهلنا في المغرب الكبير ينحدرون، عربا وبربرا، من
ينبوع العز اليماني، ويعتزون بذلك أيما اعتزاز..
إن مشكلة اليمن "إن كانت تعتبر
مشكلة" هي عراقته، حيث إن هذا البلد يحمل تاريخا عظيما وحضارة أصيلة على كاهله، مما
يفرض عليه أخلاقيات نبيلة في التعامل الداخلي والخارجي، ومما يجعله أسير إرثه
الخالد، عكس الدول اللقيطة القادرة على الانسلاخ من جلدها ومن دورها ومن أخلاقها
متى شاءت.
وهذه الخصوصية اليمنية جعلت الدولة في حالة جهد دائم للتوفيق بين
مستلزمات التاريخ والجغرافيا، وبين متطلبات الحاضر والمستقبل، حتى لا تمسّ بروحية
شعبها وبثقافته المتوارثة عبر العصور، وبقيم المجتمع وثوابته الحضارية..
مما
يجعل النظام الوطني يرفض أي شكل من أشكال التبعية والاستسلام والعمالة لأية جهة
مهما كانت قوتها وقدراتها ودورها الإقليمي والدولي.
وقد أكدت الأحداث المتتالية
أن اليمن حافظ على دوره كضمير للأمة، ولسان صدق ينطق بالحق، ويدافع عن قضايا
العروبة، وكقلب كبير يؤثر على نفسه ولو كانت به خصاصة.
وهذا النبل اليماني في
التعامل جعله مستهدفا على الدوام من قبل من لا يريدون خيرا بالعرب والعروبة
وبالإسلام والمسلمين، وبالإنسانية التي يمثل اليمن واحدا من أعمق وأصدق وأرقى
عناوينها الحضارية..
غير أن ما يسر الصديق ويغيض العدو هو هذه الحكمة التي
أوتيها الرئيس علي عبد الله صالح في التعامل مع الأحداث والظروف، وهذا التلاحم
الشعبي حول مشروع الوحدة وحول الوئام الاجتماعي والمسار الديمقراطي، وحول المجهودات
اليومية المبذولة في سبيل تحقيق مشروع تنمية عادل بين جهات اليمن وفئاته..
ونحن
من هنا، من المغرب العربي، ننظر إلى اليمن نظرة تفاؤل بمستقبل أجمل وأكمل وأفضل
ونظرة احترام وتقدير للمشروع الحضاري الرائد الذي ما انفكت القيادة اليمنية تناضل
في سبيل ترسيخه وتكريسه انسجاما مع الإرث القيمي الخالد، ومع متطلبات المستقبل
الزاهر والباهر والمزدهر.