الجفري
النهرين "العراق" ومصر لا يمكن عزلها عن ذلك الوعي الحضاري فنون شعوب اليمن وبلاد ما بين
النهرين "العراق" ومصر لا يمكن عزلها عن ذلك الوعي الحضاري المبدع للمجموعات
البشرية التي التحمت فيما بينها وشكلت إحدى أهم النقلات الحضارية في تاريخ الإنسان
القديم والأمر ذاته يمكن أن يقال عن فنون الأمم الأخرى التي بقيت وحدها الشاهد على
مدى عمق وقوة الأثر الحضاري للأمم التي لم يخلد في تراثها الفكري سوى الأثر
الفني الذي كان يمتلك أصلاً وظائفه اليومية المحفزة أكثر مما كان يشكل ترفاً فكرياً
أو حضوراً جمالياً سلبياً، وإذا كانت الحضارة العربية قد تركت لنا ذلك التراث
الجمالي عبر اللغة والشعر كمعطى متقدم على المعطيات الجمالية الأخرى - فإن ذلك لا
يعني إطلاقاً بأن فن الرسم العربي خاصة في عصر نهوض الأمة بعد بروز الدين الإسلامي
وتحوله إلى سلطة تجمع أكبر عدد من أمة العرب تحت لوائها لم يكن موجوداً ولم تكن له
وظيفة ثقافية هامة في إطار النشوء الحضاري لأمة العرب.
إن خير شاهد على حضور هذا
الجانب الحضاري الثقافي عبر فن "الأرقشة" العربية المتمثلة في فن المنمنمات
الإسلامية المتطورة وعبر تطور فن الخط العربي الذي وصل إلى أعلى مراتبه الجمالية
عبر أكثر الفترات العربية رسوخاً وانتشاراً، لقد رحل الحكم العربي عن الأندلس
"أسبانيا" لكن الذي بقي من تراثهم الجمالي التشكيلي هناك هو الشاهد الأكبر على أن
أحفاد "صقر قريش" لم يكن وجودهم في تلك البلاد "أسبانيا" احتلالاً سلبياً بل إضافة
جمالية أخاذة ،تتفاخر بهم أسبانيا حتى عصرنا هذا.
إن الحضور الفني للأمة العربية
الإسلامية ليس حضوراً ثانوياً هامشياً فقد كان منذ البداية يشكل ركناً هاماً من
أركان الثقافة العربية الإسلامية.