صالح
النعامي
النعامي
مرةً أخرى تقدّم سلطة رام الله
والنظام العربي الرسمي الدليل القاطع على تواطئهما على استمرار الحصار المفروض على
قطاع غزة، ومرة أخرى يتقدمان لحماية إسرائيل من العقاب، فكما تواترت الأنباء -ومن
مصادر مختلفة- يتأكد أن رئيس السلطة محمود عباس تدخَّل لدى الرئيس الأمريكي لمنع
رفع الحصار عن قطاع غزة بحجة أن من شأن مثل هذه الخطوة تعزيز حكم حركة حماس، وإن
كان هذا لا يكفي دليلًا على التواطؤ فهاهو وزير المواصلات الإسرائيلي "يسرائيل
كاتس" يأتي ليؤكد أن كلًّا من مصر وإسرائيل تتعاونان في فرض الحصار على قطاع غزة
لمساعدة محمود عباس.
للأسف الشديد
وصل الأمر إلى حد رفض مصر المقترحات الأوروبية القاضية بإعادة فتح معبر رفح والسماح
بوصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر البحر، بحجة أنه لا يمكن تفتيش السفن
المتجهة للقطاع بشكل دقيق! لا يحتاج الأمر إلى تحليل عميق لكي يدرك المرء بسهولة
حجم الحرج الذي وقع فيه النظام العربي الرسمي بعد هبَّة أسطول الحرية التي عرَّت
هذا النظام وكشفت عوراته، ومن أسف فإن هذا النظام بدلًا من أن يستخلصَ العِبَر مما
حدث، إذا به ينطلق فارًّا للأمام في مسيرة التواطؤ والتخاذل، لكن هذا النظام لا
يتعلَّم من أخطائه، ويصرُّ على تكرارها، وعلى رأس هذه الأخطاء: الاعتقاد بأن مواصلة
فرض الحصار على قطاع غزة يمكن أن يؤدي إلى انهيار حكم حركة حماس.
فالشواهد على
أرض الواقع تثبت بؤْس الرّهان على هذا الحصار لتحقيق هذا الهدف، بل على العكس
تمامًا فإن الحصار أدى إلى تعزيز حركة حماس ومنحها تعاطفًا عربيًّا وإسلاميًّا
ودوليًّا لم تكن الحركة لتحلم به لو لم يتم فرض الحصار عليها.
إن محصلة أكثر من
ثلاث سنوات ونصف من الحصار على قطاع غزة قد جعلت غزة تحاصر النظام العربي الرسمي
كما تحاصرها إسرائيل وحلفاؤها؛ فهامش المناورة الضئيل الذي كان متاحًا أمام هذا
النظام لم يعدْ قائمًا، لا سيَّما في ظلّ تعاظم الدعوات لتسيير المزيد من أساطيل
الحرية لقطاع غزة، والذي يجعل موقف ما يعرف بمحور "الاعتدال" العربي أكثر حرجًا هو
انضمام قطاعات كثيرة من النخب العربية لجهود فرض الحصار؛ ولا يخفى على أحد أن هذا
التطور سيكشف حجم البون الشاسع الذي يفصل الأنظمة العربية عن جمهورها والرأي العام
في الدول التي تحكمها، وهذا ما سيظهر تهاوي شرعية هذه الأنظمة.
إن حالة التيه
التي يعيشها النظام العربي الرسمي تجعله غير قادر على القيام بعملية إعادة تقييم
شاملة وضرورية لسياساتِه تجاه قطاع غزة وحركة حماس؛ فلا يُعقل أن يواصل هذا النظامُ
دفع الأكسجين في شرايين سلطة رام الله المتهاوية، وحتى لو تجاوزنا للحظة الاعتبارات
القومية والأخلاقية والتي يتوجَّب أن تحكمَ سلوك أنظمة الحكم تجاه قضايا أقطارها
وأمتها، فإنه حتى وفق الحسابات الضيقة لكل نظام عربي يتوجَّب عدم مواصلة التواطؤ في
فرض الحصار على غزة والتعاون مع سلطة رام الله، لأنه يتمُّ تحميل النظام العربي
تبعات كل أخطاء وخطايا هذه السلطة؛ حيث إن سلوكها بلغ من الانحطاط لدرجة أن
الارتباط بها أصبح مكلفًا جدًّا.
ما تقدم لا يعني أنه يتوجب على النظام العربي
الرسمي ألا يوجِّه الأسئلة لحركة حماس وحكوماتها، فهناك الكثيرُ مما يتوجب على هذه
الحركة إعادة تقييمِه، لا سيما فيما يتعلق بفكرة الجمع بين الحكم والمقاومة؛ لكن
مما لا شك فيه أنه يتوجب أولًا وضع حدّ لسلوك سلطة رام الله التفريطي في القضية
الفلسطينية.
فباسم مَن يبلغ محمود عباس قادة المنظمات اليهودية الأمريكية أنه لا
ينكر حق "الشعب اليهودي في أرض إسرائيل"؟! ولمن لا يدرك الأمر فإن مصطلح "أرض
إسرائيل" يعني حدود فلسطين التاريخية؛ أي الأراضي الفلسطينية التي احتلتْها إسرائيل
في حربي 1948 و1967، وباسم مَن يعلن رئيس حكومته سلام فياض بأنه لا ينكر "حقوق
اليهود في أرض التوارة"؟! على الرغم من أن التجربة التاريخية قد تدفعُ نحو اليأس من
إمكانية أن تتغير أنماط سلوك الأنظمة العربية، إلا أنه بالإمكان تدارك الأمر بشكل
يخدم المصالح الوطنية لكل قطر عربي والمصالح القومية للعرب جميعًا.
وأعتقد أن
هذا التغيير يجب أن يدفعَ بعض الأنظمة العربية للتوقف عن ربط الحراك الداخلي في
بلدانها باتجاه البوصلة الإسرائيلية والأمريكية، لدرجة أن تصل الأمور في بعض
الأحيان إلى أن "تفطن" هذه الأنظمة للقيام بخطوات؛ اعتقادًا منها أنها تلقَى رضا تل
أبيب وواشنطن، إن النظام العربي الرسمي يعجز عن ملاحظة ما بات لا يخفى على أحد،
فنجم الولايات المتحدة الأمريكية في أُفول ومعه نجم ربيبتها إسرائيل، فأين الحكمة
في الارتِهان لرغباتهما؟! بأي حق تُبدي بعض الأنظمة العربية انزعاجًا من الدور
الإيراني والدور التركي المتعاظِم في المنطقة؟! حيث يبدو واضحًا أمام الرأي العام
العربي أن كلًّا من طهران وأنقرة تتبنيان هموم المحاصَرين في غزة، حتى لو افترضنا
جدلًا أن هذا الموقف نابع بالأساس من حسابات المصالح لدى الإيرانيين والأتراك؛ فأين
الدور العربي الرسمي الموازي؟! لقد أصبح واضحًا أن الدور الإيراني قد تراجع لمجرد
أنْ تقدم الدور التركي، وبكل تأكيد سيتراجع الدور التركي لو ملأ العرب الفراغ الذي
تركه تخليهم عن القيام بدورهم الطبيعي في الدفاع عن قضاياهم الوطنية
والقومية.
العرب أونلاين
والنظام العربي الرسمي الدليل القاطع على تواطئهما على استمرار الحصار المفروض على
قطاع غزة، ومرة أخرى يتقدمان لحماية إسرائيل من العقاب، فكما تواترت الأنباء -ومن
مصادر مختلفة- يتأكد أن رئيس السلطة محمود عباس تدخَّل لدى الرئيس الأمريكي لمنع
رفع الحصار عن قطاع غزة بحجة أن من شأن مثل هذه الخطوة تعزيز حكم حركة حماس، وإن
كان هذا لا يكفي دليلًا على التواطؤ فهاهو وزير المواصلات الإسرائيلي "يسرائيل
كاتس" يأتي ليؤكد أن كلًّا من مصر وإسرائيل تتعاونان في فرض الحصار على قطاع غزة
لمساعدة محمود عباس.
للأسف الشديد
وصل الأمر إلى حد رفض مصر المقترحات الأوروبية القاضية بإعادة فتح معبر رفح والسماح
بوصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر البحر، بحجة أنه لا يمكن تفتيش السفن
المتجهة للقطاع بشكل دقيق! لا يحتاج الأمر إلى تحليل عميق لكي يدرك المرء بسهولة
حجم الحرج الذي وقع فيه النظام العربي الرسمي بعد هبَّة أسطول الحرية التي عرَّت
هذا النظام وكشفت عوراته، ومن أسف فإن هذا النظام بدلًا من أن يستخلصَ العِبَر مما
حدث، إذا به ينطلق فارًّا للأمام في مسيرة التواطؤ والتخاذل، لكن هذا النظام لا
يتعلَّم من أخطائه، ويصرُّ على تكرارها، وعلى رأس هذه الأخطاء: الاعتقاد بأن مواصلة
فرض الحصار على قطاع غزة يمكن أن يؤدي إلى انهيار حكم حركة حماس.
فالشواهد على
أرض الواقع تثبت بؤْس الرّهان على هذا الحصار لتحقيق هذا الهدف، بل على العكس
تمامًا فإن الحصار أدى إلى تعزيز حركة حماس ومنحها تعاطفًا عربيًّا وإسلاميًّا
ودوليًّا لم تكن الحركة لتحلم به لو لم يتم فرض الحصار عليها.
إن محصلة أكثر من
ثلاث سنوات ونصف من الحصار على قطاع غزة قد جعلت غزة تحاصر النظام العربي الرسمي
كما تحاصرها إسرائيل وحلفاؤها؛ فهامش المناورة الضئيل الذي كان متاحًا أمام هذا
النظام لم يعدْ قائمًا، لا سيَّما في ظلّ تعاظم الدعوات لتسيير المزيد من أساطيل
الحرية لقطاع غزة، والذي يجعل موقف ما يعرف بمحور "الاعتدال" العربي أكثر حرجًا هو
انضمام قطاعات كثيرة من النخب العربية لجهود فرض الحصار؛ ولا يخفى على أحد أن هذا
التطور سيكشف حجم البون الشاسع الذي يفصل الأنظمة العربية عن جمهورها والرأي العام
في الدول التي تحكمها، وهذا ما سيظهر تهاوي شرعية هذه الأنظمة.
إن حالة التيه
التي يعيشها النظام العربي الرسمي تجعله غير قادر على القيام بعملية إعادة تقييم
شاملة وضرورية لسياساتِه تجاه قطاع غزة وحركة حماس؛ فلا يُعقل أن يواصل هذا النظامُ
دفع الأكسجين في شرايين سلطة رام الله المتهاوية، وحتى لو تجاوزنا للحظة الاعتبارات
القومية والأخلاقية والتي يتوجَّب أن تحكمَ سلوك أنظمة الحكم تجاه قضايا أقطارها
وأمتها، فإنه حتى وفق الحسابات الضيقة لكل نظام عربي يتوجَّب عدم مواصلة التواطؤ في
فرض الحصار على غزة والتعاون مع سلطة رام الله، لأنه يتمُّ تحميل النظام العربي
تبعات كل أخطاء وخطايا هذه السلطة؛ حيث إن سلوكها بلغ من الانحطاط لدرجة أن
الارتباط بها أصبح مكلفًا جدًّا.
ما تقدم لا يعني أنه يتوجب على النظام العربي
الرسمي ألا يوجِّه الأسئلة لحركة حماس وحكوماتها، فهناك الكثيرُ مما يتوجب على هذه
الحركة إعادة تقييمِه، لا سيما فيما يتعلق بفكرة الجمع بين الحكم والمقاومة؛ لكن
مما لا شك فيه أنه يتوجب أولًا وضع حدّ لسلوك سلطة رام الله التفريطي في القضية
الفلسطينية.
فباسم مَن يبلغ محمود عباس قادة المنظمات اليهودية الأمريكية أنه لا
ينكر حق "الشعب اليهودي في أرض إسرائيل"؟! ولمن لا يدرك الأمر فإن مصطلح "أرض
إسرائيل" يعني حدود فلسطين التاريخية؛ أي الأراضي الفلسطينية التي احتلتْها إسرائيل
في حربي 1948 و1967، وباسم مَن يعلن رئيس حكومته سلام فياض بأنه لا ينكر "حقوق
اليهود في أرض التوارة"؟! على الرغم من أن التجربة التاريخية قد تدفعُ نحو اليأس من
إمكانية أن تتغير أنماط سلوك الأنظمة العربية، إلا أنه بالإمكان تدارك الأمر بشكل
يخدم المصالح الوطنية لكل قطر عربي والمصالح القومية للعرب جميعًا.
وأعتقد أن
هذا التغيير يجب أن يدفعَ بعض الأنظمة العربية للتوقف عن ربط الحراك الداخلي في
بلدانها باتجاه البوصلة الإسرائيلية والأمريكية، لدرجة أن تصل الأمور في بعض
الأحيان إلى أن "تفطن" هذه الأنظمة للقيام بخطوات؛ اعتقادًا منها أنها تلقَى رضا تل
أبيب وواشنطن، إن النظام العربي الرسمي يعجز عن ملاحظة ما بات لا يخفى على أحد،
فنجم الولايات المتحدة الأمريكية في أُفول ومعه نجم ربيبتها إسرائيل، فأين الحكمة
في الارتِهان لرغباتهما؟! بأي حق تُبدي بعض الأنظمة العربية انزعاجًا من الدور
الإيراني والدور التركي المتعاظِم في المنطقة؟! حيث يبدو واضحًا أمام الرأي العام
العربي أن كلًّا من طهران وأنقرة تتبنيان هموم المحاصَرين في غزة، حتى لو افترضنا
جدلًا أن هذا الموقف نابع بالأساس من حسابات المصالح لدى الإيرانيين والأتراك؛ فأين
الدور العربي الرسمي الموازي؟! لقد أصبح واضحًا أن الدور الإيراني قد تراجع لمجرد
أنْ تقدم الدور التركي، وبكل تأكيد سيتراجع الدور التركي لو ملأ العرب الفراغ الذي
تركه تخليهم عن القيام بدورهم الطبيعي في الدفاع عن قضاياهم الوطنية
والقومية.
العرب أونلاين