عبدالله الأشعل
الدولى فى ثلاثة اتجاهات، الأول هو رفع الحصار أو كسره عن غزة بتحرير غزة وربطها
بالعالم براً وبحراً وجواً، وما دام هدف الحملة التى راح عدد من أعضائها شهداء هذا
الهدف هو كسر الحصار عن غزة فى إطار برنامج حرية غزة، فإن هذا الهدف لابد أن يتحقق
إكراماً لهذه المهمة التى استشهدوا من أجلها.
وهكذا تسارعت التصريحات من كل
صوب تطالب بكسر
الحصار ثم برفع الحصار، ثم فتحت مصر معبر رفح دون أن تعلن أن الفتح نهائى وشامل
انتظارا لنتيجة المعركة التى دخلت فيها تركيا بقوة.
أما الاتجاه الثانى
فهو أن تركيا هى التى تحملت العبء الأكبر فى هذه المأساة، وكانت العملية الإجرامية
الإسرائيلية موجهة خصيصاً إليها بشكل قاسى حتى تقول إسرائيل لتركيا أن المسألة لا
تحتمل هذا القدر من التداخل وأن إسرائيل المسنودة تماماً أمريكياً وأوروبياً سد
منبع أمام طموحات تركيا أو مغامراتها أو مشاعرها الإنسانية.
ترجم هذا الاتجاه
بالدفع نحو إجراء تحقيق دولى مستقل وشفاف يؤدى إلى معاقبة إسرائيل، وذلك وسط تدهور
غير مسبوق فى العلاقات الإسرائيلية التركية وشعور تركى جريح وغائر معادى لإسرائيل،
استعداء للشارع التركى ربما من المرات النادرة فى تاريخه الحديث.
أما الاتجاه
الثالث فهو المناورات الأمريكية والإسرائيلية الهادفة إلى الإفلات من هذا المأزق
خصوصاً وأن تركيا توعدت إسرائيل بحملة لنزع الشرعية عنها بسبب طبيعة
تصرفاتها.
ويضيق المقام عن بيان تفصيل هذه المناورات ولكن الواضح أن إسرائيل
تحاول أن تفرض موقفها فى القطاعات الثلاثة، أى أن يظل حصار غزة خياراً إسرائيليا
خالصاً مع سيطرة إسرائيل على كل أطراف القرار البحرى والبرى عبر معبر رفح.
وقد
وضعت واشنطن ترجمة لهذا الموقف الإسرائيلى بأن الحل لمشكلة غزة لا يمكن أن تكون رفع
الحصار مطلقاً وإنما لابد أن ينطوى الحل على السعى على إزالة حماس من المعادلة حتى
يصنعو الجو تماماً لسلام إسرائيلى فلسطينى مصرى هادئ لا يعكس صنعوه دعاوى المقاومة،
ويقضى فى نفس الوقت على الانقسام الفلسطينى، فلا يكون إلا طرف فلسطينى واحد تقبله
إسرائيل تعد معه بمساندة عربية كاسحة لتسوية تاريخية.
هذا الحل ستكون له عناصر
تفصيلية تحققه، أى التوفيق بين احتياجات أهالى غزة الأساسية، وشطب حماس، وأمن
إسرائيل وفى ذلك أيضاً إضعاف لإيران وعزل للمقاومة فى لبنان، وتلك أهم خطوة تريد
إسرائيل تثبيتها.
أما المحور الثانى فقد رفضت إسرائيل رفضاً قاطعاً تشكيل لجنة
تحقيق دولية وقررت مع واشنطن تشكيل لجنة تحقيق إسرائيلية مهمتها تأكيد حق إسرائيل
فى ان تفعل ما تشاء مادام ذلك ضرورياً لأمنها، وتبرير ما قامت به قواتها ضد أسطول
الحرية، بل وتبرير مشروعية الحصار على غزة باعتباره أحد اجراءات" مكافحة
الإرهاب".
حتى رغم أنه ينطوى على عقاب جماعى من الناحية الشكلية، لكنه فى الواقع
فى نظر إسرائيل يفرض على شعب اختار معظمه "الإرهاب الإسلامى" فاستحق جزاء خياره غير
المناسب تحت ستار الديمقراطية.
فى نفس الوقت ابتلع العرب قرار وزرائهم فى أعقاب
الهجوم الإسرائيلى بشأن تجميد المفاوضات واستجابوا للموقف الأمريكى الداعى إلى
تجاوز الهجوم والإصرار على المفاوضات وهو ما أكده أبو مازن فى واشنطن.
أما
المحور الثالث وهو محاولة نزع الشرعية عن إسرائيل فلم يظهر منه حتى الآن إلا دعم
أمريكي مطلق لشرعية إسرائيل وشرعية سلوكها، خاصة مع احباط مسعى إنشاء لجنة تحقيق
مستقلة وإخضاع الجميع إلى خيار إسرائيل بأن تكون ليس فقط الخصم والحكم، وإنما أظهرت
أنها الطرف الضحية الذى يجب عليه أن يبرر عمله باعتباره عملاً مشروعاً وهو أصل
المهمة التى نيطت بلجنة التحقيق الإسرائيلية.
فماذا بقى من زخم شهداء الحرية؟
تبقى الجريمة والملاحقة الفردية للقيادة الإسرائيلية، ويبقى أن تركيا تزداد يقيناً
بالطبيعة الإجرامية لإسرائيل وأن نجمها فى الشارع العربى قد حل محل الأعلام
الوطنية، كما يبقى أن العرب قد برهنوا على أنهم كحكومات لا يملكون إرادة الفعل،
ولذلك عندما توقعنا أن كل هذا الزخم خاصة ما ظهر فى قضية الحصار سوف يرتبط وجوداً
وعدما باستمرار هذا الزخم المعادى لإسرائيل، كنا نبنى موقفنا على أن الطرف العربى
قد فوجئ بتصاعد الموقف نتيجة المجزرة وأنه لم يكن مستعداً لمجاراة الموقف التركى،
وقد ظهر ذلك جلياً فيما أظهرته مناقشات مجلس الأمن الذى نجحت واشنطن فى أن تغير
وجهته وتسحب الاهتمام الدولى من قضية المعابر واجرام إسرائيل إلى أن يتصدر اهتمامه
معاقبة إيران، وهكذا ساهم هذا العمل فى إرباك الساحة الدولية وتخفيف الضغوط عن
إسرائيل، كما أن القرار 1929 كان مكافأة لإسرائيل من نواح متعددة، كما كان نقلة
كبرى نحو نظرية أن إيران وليس إسرائيل بكل ما تمثله هى الأولى بالعقاب.
تحاول
إسرائيل الإفلات وعوامل نجاحها لا تزال قائمة، لكن عوامل فشلها لا تزال أيضاً،
ولكننى واثق أن سلوكها إزاء حصار غزة وأسطول الحرية قد راكم صورتها البشعة التى سوف
تستدعى سلوكا دولياً لن تقدر المناورات الرسمية علي تجنبه أو الإفلات منه هى الأخرى
على غرار ما نجحت فيه حتى الآن خاصة بعد إطباق تقرير جولد ستون على عنق
إسرائيل.
والدرس أن جسارة إسرائيل ودمويتها والدعم الأمريكى والأوروبى قهرا حتى
الآن محاولات محاسبة إسرائيل وعزز قناعة إسرائيل فى نجاعة هذا الاسلوب فى بيئة
عربية مستسلمة لأقدارها فى أضعف الفروض.