الجفري
فالفضاء حقيقي والأشكال قائمة بالفعل، الخشب أو البرونز الذي بإمكاننا السير حول عمارة ما، فالفضاء
حقيقي والأشكال قائمة بالفعل، الخشب أو البرونز الذي يصنع منه التمثال هو الآخر
موجود في فضاء معين ويعطي ظلالاً وبالإمكان لمسه باليد كل من الصورة أو الرسم موجود
في عالم لا عمق فيه ، والفن ذو البعدين ينتهي في الواقع عند الخلفية المؤطرة وهذا
هو الفرق الجوهري الذي يؤثر في وسائل الرسام التشكيلية، وقد يتعارض مع وسائل
رسام آخر ذي الأبعاد الثلاثة، إن الرسام والخطاط والطباع يبدؤون جميعاً باللون
بوصفه عنصراً تشكيلياً أساسياً، لكن اللون يلعب دوراً ثانوياً في مفردات الفن
بالنسبة إلى الذين يمارسون فناً ذا أبعاد ثلاثة، أما في الفن ذي البعدين فاللون
يصبح وسيلة لتنمية كل العناصر الأخرى، فالشكل ذو البعدين لا يمكن أن يوجد بدون
اللون، إذ أنَّ الشكل الأسود على خلفية بيضاء إنما يعتمد على التضاد بين الأبيض
والأسود في وجوده، فلا شكل يمكن عمله دون أن يتسم بلون ما، ولا شكل يمكن رؤيته إلا
ويبدأ بعمل علامة على سطح مستوٍ وهذا السطح هو فضاؤه والعالم الذي يبني فيه نظامه
التشكيلي وبحكم تقيد الرسام بما بين يديه من حجم ونسب السطح ذي البعدين فإنه يرتب
أشكاله بحيث تشغل مواقعها في هذا الفضاء وتؤمن في الوقت نفسه النوازع الجمالية
والتعبيرية من مفهومه التشكيلي ، إن له حرية ملء هذا الفضاء أو تركه خالياً وله
الحرية في أن يغير من أحجام أشكاله والمساحات بينها وله الحرية في أن يغير أيضاً من
هيأتها، إن العناصر التشكيلية بالنسبة للرسام والنحات والبنَّاء هي وسائل تعينه على
بلوغ غاياته هيأتها وانتقاؤه هذه العناصر مع قراراته في أوضاعها وتشابكها وتمازجها،
قد ينجم عنه فن أو قد تنجم عنه فوضى والمشاهد المثقف فنياً قد يدرك هذه العناصر
سواء كانت جميلة أم لا إذن للفنون ذات البعدين عناصر تشكيلية من لون وشكل
وفضاء.