عبدالله الكعبي
ما سر الطرود والخلايا النائمة التي تستيقظ فجأة والخطابات التي تظهر للعلن بين الفينة والأخرى؟ وما علاقتها بالانتخابات الرئاسية والنيابية الأمريكية؟ طرد المتفجرات اليمني الذي كشف عنه مؤخراً المتزامن مع خطاب جديد منسوب لأسامة بن لادن، يعتبر بمثابة طوق النجاة بالنسبة لبعض النواب الأمريكان الذين يخوضون انتخابات التجديد النصفي للكونغرس والذين يلزمهم شيء من الدعم على شاكلة هذه التهديدات ذات القدرة العالية على إقناع الناخب الأمريكي بضرورة اختيار الصقور وليس الحمائم لتمثيله في الكونغرس لمواجهة هذه التهديدات التي لا تقل خطورة عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
مثل هذه السيناريوهات لا زالت ذات قدرة فائقة على إقناع المواطن الأمريكي للتصويت لمروجيها بسبب تكوينه الفكري المرتبط مباشرة بما يبثه الإعلام الداخلي الأمريكي الذي لا زال يصور الأوضاع لهذا الشعب على أنها حرب بينه وما يمتلكه من رفاهية وبين الأعداء المتمثلين في "الإرهابيين" الذين جلهم من المسلمين.
سيناريو التخويف الأمريكي المستمر لا يمكن فصله عن تكتيكات بعض الأفلام الأمريكية الخيالية أو المرتبطة بشكل وثيق بالرعب، وبالتالي فإن الممسكين بالقرار الأمريكي أصيبوا بنوع من الإفلاس عندما رهنوا مصير هذه الدولة العملاقة بتلك الألاعيب التي تبدو اليوم قادرة على صنع أعداء وهميين من أجل تمكين أبطال وهميين أيضاً لحماية أمريكا من ذلك الخطر الداهم.
فالطرود الناسفة ورسائل بن لادن الجاهزة التي لا تظهر إلا عند الحاجة باتت أكاذيب مكشوفة لا يمكن أن تنطلي إلا على المواطن الأمريكي البسيط الذي لا زال ينظر لمثل تلك الأخطار على أنها الحد الفاصل بين الحياة والموت والتي قد تتحول في حال استمرارها إلى هاجس حقيقي يرعب الساسة الأمريكان قبل المواطنين المخدوعين.
عودة الجمهوريين للكونغرس وإمساكهم بزمام المبادرة والقرار سيشعل المزيد من الأزمات في الشرق الأوسط ولكنها لن تطفئ الخوف الأمريكي بعد أن أصبح ذلك الشعب رهينة لمثل تلك التهديدات التي يمكن أن يجدها في قطار أو طائرة أو ملعب رياضي أو في الحانة أو حتى في البيت على فراش نومه.
كان البعض ومنذ زمن طويل يرجع تخلف الشعوب العربية والإسلامية وعدم مواكبتها لشعوب العالم الأخرى ـ إلى أن هذه الشعوب لم ترب التربية الحسنة التي تعطيها الثقة في النفس بعد أن أصبحت أسيرة للقمع والاضطهاد ومعرضة دائماً لظروف الفقر والعوز الذي ينعكس على بنيتها العلمية والثقافية، بعكس الدول الأخرى التي تهتم بالإنسان باعتباره الثروة الحقيقية التي لا يمكن لحضارة أو قوة على وجه الأرض أن تقوم بمعزل عنه.
هذه النظرية التي ربما تكون صحيحة في جوانب كثيرة ستكون سبباً مباشراً في تراجع الدور الأمريكي في العالم وصعود قوى أخرى في غضون السنوات القليلة القادمة. هذا التراجع لن يكون مرتكزاً على ضعف في الإنتاج الحربي الذي تعتمد عليه أمريكا حالياً في فرض سيطرتها على دول العالم، ولن يكون بسبب تفوق القوى الأخرى من حيث التكنولوجيا على الأمريكان، لكن هذا التراجع سيكون مقروناً بالنفسية السيئة الآخذة في الازدياد بين الشعب الأمريكي في ظل ما يراه على الأرض في باكستان وأفغانستان والعراق، وأيضاً على خلفية ما يسمعه عن قوة آلة الإرهاب التي يمكنها أن تقضي على مستقبلة في أي وقت تشاء.
سقوط الإمبراطوريات دائماً يأتي من حيث لا يحتسب أحد ولا حتى القائمون على الإمبراطورية نفسها التي تجد نفسها بين عشية وضحاها قد تحولت إلى أثر بعد عين بيدها وليس بيد عمرو.
نقلاً عن العرب أونلاين