;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

الثورة الشعبية تجدد ذاتها 2033

2011-06-22 15:52:50


إنها ثورة محمية بحفظ الله تعالى لها، ومحفوظة برعاية الله لها؛ لأجل ذلك، فهي تتمظهر كل يوم في مظاهر قوة ومنعة لا تخطئها عين، ويلحظها كل ذي بصر وبصيرة، وفيما يلي بعض هذه التمظهرات:
الاصطفاف الوطني الكبير حول الثورة في الداخل والخارج:
يا كل العالم: هل رأيتم اليمن توحد كما توحد مثل هذا اليوم، فاصطف صفاً واحداً وراء هتافات هذه الثورة، التي سرت كأنها الروح في الجسد الهامد، تدب في كل عضو، وتسير من بيت لبيت ومن جسد لجسد، والتحمت حولها الأيادي يداً بيد.
وهل رأيتم الوجود اليمني، والشعب العظيم، وقد اكتملت صفوفه في اصطفاف وطني كبير، فها هي اليمن كل اليمن تشارك من أجل اليمن، هل رأيتم جمال هذه الثورة وهي تضم كل أبناء اليمن إلى حضنها كأنها بلقيس في ماضي اليمن التليد، وكل فرد فيها يشد يده في يد أخيه، يهتفون: "اعتصام اعتصام حتى يسقط النظام"، كأنهم البنيان المرصوص، المتلاحم في مظهر الأصابع المتشابكة.
إنه الاصطفاف الوطني الكبير الذي لم تشهد اليمن مثله في تاريخها المعاصر، اصطفاف شمل اليمن، كل اليمن وراء هتافات شباب الثورة وشاباتها، فالتأمت كل فئات الشعب ومكوناته، وكان لأبطال الجيش موقعهم، وللقبيلة اليمنية الأصيلة دورها، وللعلماء الأعلام كلمتهم، وللأطباء جهدهم الذي حفظ الله بهم الحياة، وللأكاديميين وقادة الرأي جهودهم واجتهادهم، وللمهندسين تواجدهم، وللموظفين وجودهم، ولكل الفئات دورها الذي لا يغمط، وشرف مشاركتها التي لا تنسى، وفعلاً لا يمكن تجاوزه.
وتحركت آلة الثورة اليمنية في الخارج تشعل الأنوار، وتوسع مساحة الاصطفاف وراء الثورة، وبدأت الجاليات اليمنية تشق العباب خلف البحر، وتحت أديم السماء في كل عواصم العالم تؤدي واجبها، وتدع ما في يدها من أعمال لتقوم بدورها المشهود خلف الحدود، وتحركت الجاليات اليمنية تنقل الثورة إلى بلدان الدنيا، وتعرف العالم ببلدنا اليمن الحبيب، وتعلن للإنسانية ميلاد أعظم ثورة، ثورة السلام، ثورة الكلمة، ثورة اليمن الجديد.
إن هذا الاصطفاف الوطني الكبير كان له ثمنه الكبير أرواحاً وممتلكات، ولكنه كان هو الانتصار الأكبر للثورة، والعلامة الحقيقية لنجاحها، والمظهر الأصيل لاكتمالها ونضج خطواتها، فقد لبى كبار القادة العسكريين وغامروا بحياتهم وتعرضوا لمحاولات الاغتيال لأجل اليمن، ولأجل اليمن أعلن الوزراء والسفراء ووكلاء الوزارات ورجالات الصحافة والإعلام انضمامهم للثورة وضحوا بمناصب لا يحلم بها أزلام السلطة من حملة المباخر، كل ذلك لأجل اليمن، ودفع المشائخ الكبار حياتهم ثمناً لانضمامهم للثورة، وتعرضوا لقصف بيوتهم بالأسلحة الثقيلة، وقدموا قوافل الشهداء كل ذلك لأجل اليمن، إننا نقدر عالياً كل قطرة دم ونشعر أننا مدينون للشهداء بحياتنا، لذلك لن نميز بين شهدائنا كل شهداء الثورة عظماء، وكلهم قدموا لأجل اليمن، ولن ننساهم أو نجحد دورهم، بل هو الوفاء للدم الغالي.
إن أكبر وفاء لدم الثورة هو تحقيق أهداف الثورة، وتوسيع الاصطفاف الوطني حولها، إن على كل فرد أن يزيد من ثباته في ساحات التغيير، وواجب كل شخص رجلاً أو امرأة يدعو من يعرف، إن اليمن اليوم تنادينا جميعاً للقيام بواجبنا نحوها، هيا نتواصى لإزالة الظلم، عملا بقول الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} سورة العصر، هيا بنا نحو العزم الكبير عملاً بقول الله تعالى على لسان لقمان: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (17) سورة لقمان.
اكتشاف اليمن شعباً عظيماً وأمة عظيمة:
إن الإنسان اليمني عظيم في حضارته وأمجاده، فهو من علّم العالم التحكم في الطبيعة، وفرض عليها الاستجابة لمتطلباته واحتياجاته وفق خطة محكمة وسير ممنهج، حين اخترع السدود، فتحكم في ثروة الماء، وسيطر على مقدرات الطبيعة، قال الزامل اليمني:
تعلمنا وعاد العلم محدود ** كتبنا في الحجر قبل القواميس
وناسبنا سليمان بن داود ** وزفـينا إليه البنت بلقـيس
وعلمنا العالم الشورى، يوم كانت البشرية تغط في نوم عميق، وفصلنا بين السلطات في زمن بلقيس في حضارة اليمن التليدة، وكنا معاشر الأنصار حماة العقيدة وفرسان النضال، حتى جاء هذا النظام البائس، فدفن اليمن وأظهره مجموعة من الشحاتين، وجمعاً غفيراً من المتسولين، ولم يخجل أن يقول عن اليمن أنه شعب قبلي متزمت وهو الذي علم الدنيا السلمية، وثورة الكلمة، فاستيقظ العالم على شعب حضاري أصيل، يرمي قاتليه بالورود، ويحافظ على سلمية المطالب بكل الجهود، وانتصرت اليمن حين أسقط رهانات الحرب الأهلية، ورفعت اليمن رأسها عالياً تنظر نحو الأفق الممتد، وتهتف للغد المجيد، وتسير بخطوات ثابتة تزيح عن كاهلها ظلم هذا النظام البئيس، وترسم ملامح اليمن الجديد هاتفة: الشعب يريد بناء يمن جديد، وأبرزت الثورة الشبابية حنكة شباب اليمن وهو يصنع التاريخ، ويبني المجد، وفي مثلهم يقول الشاعر:
كذلك أخرج الإسلام قومي  ** شباب مخلصاً حراً أميناً
وعلمه الكرامة كيف تبنـى **  فيأبى أن يدنس أو يهونا
أمد يدي فأنتـزع الرواسي   ** وأبني المجد مؤتلفاً مكينا
إنه شباب ترك الهوينا والهوى، ومضى متوكلاً على الله لا يهاب الموت، ولا يبالي به، يصدق فيهم قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: أبالموت يتهددني، والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الصبي بمثل أمه، ورحم الله أمير الشعراء حين يقول:
وللأوطـان في دم كل حر ** يد سلفت ودين مستـحق
ومن يسقي ويشرب بالمنايا  ** إذا الأحرار لم يُسقَوا ويسقُوا
ولا يبني الممالك كالضحايا ** ولا يدنِـي الحقوق ولا يحق
ففي القتلى لأجيـال حياة **  وفي الأسرى فدى لهمو وعتق
وللحـرية الحمـراء باب  **  بكل يد مضرجـة يــدق
إن الثورة الشعبية أعادت لليمن اعتبارها، فأبرزت دور المرأة اليمنية التي غُيبت، والقبيلة التي ضيعت، والجيش الذي أهمله النظام الذي وزعم أن مهامه الاستعراض وضرب المواطنين، وللعلماء الذين جعلهم لحين الحاجة يقول لهم ما تخرجون به سمعا وطاعة فلما قيلت له كلمة الحق، سلط عليهم بلاطجة الإعلام، يهتكون الأعراض ويلغون في أعراضهم، ولحوم العلماء مسمومة، ولم ينهش أحد منها ويسلم أبداً.
لقد قدمت الثورة المرأة صانعة للمواقف، وتقدمت المرأة فيها تحرك الأحداث، وتحمل علم الوطن، وليس صور الأشخاص، فانتمت لليمن وليس لحزب ترفع علمه، وهتفت لليمن ولليس لفرد، فاعتبروا يا أولي الأبصار، ورحم الله شوقي، حيث يقول عن دور المرأة في الإسلام:
خذ بالكتاب وبالحديث وسيرة السلف الثقاة
هذا رسول الله لم ينقص حقـوق المـؤمنات
العلم كان شريعة لنســــائه المتفقهات
رُضْن التجارة والسياسة والشئون الأخريات
ولقد علت ببنــاته لجج العلوم الزاخرات
وحضارة الإسلام تنطق عن مكانة المسلمات
وبرز دور القبيلة اليمنية رمزاً للحضارة، تصنع السلام وتحافظ عليه، وتدعم سلمية الثورة، وتنضم إليها، وتمد يدها تحتضن الثوار، وتدفع بأبنائها للانخراط فيها، وتجسد الدور الوطني في القبيلة اليمنية كما هو شأنها، وأدت واجبها المقدس نحو اليمن كما هو ديدنها، وكانت القبيلة في طليعة الثورة السلمية، تركت السلاح، وهتفت بالكلمة: الشعب يريد إسقاط اليمن، وانتمت القبيلة للحضارة لأنها التي أنتجت الحضارة، وكانت صادقة وكان الصدق معها، وهي تضرب أروع الأمثلة الحضارية، وهي تتمسك بخيار السلمية، وتسمو في الأفق تحلق عاليا، لا تعترف بالحرب الأهلية، ولا تنجر للاقتتال الداخلي، وتعلم أن القتل حرام شرعا، لا يجوز الوقوع فيه، يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: "يجيء الرجل آخذا بيد الرجل، فيقول: يا رب، هذا قتلني. فيقول الله له: لِمِ قتلته؟ فيقول: قتلته لتكون العزة لك، فيقول: فإنها لي. ويجيء الرجل آخذا بيد الرجل، فيقول: إن هذا قتلني، فيقول الله له: لِمَ قتلته؟ فيقول: لتكون العزة لفلان. فيقول: إنها ليست لفلان، فيبوء بإثمه". وليت شعري ماذا يدرسونهم في الحرس الجمهوري أو غيره ممن يقدمون على قتل النفس المحرمة، والله تعالى يقول: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول في الحديث الصحيح أيضاً: "لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً".
وأخيراً هيا ندعوا الله مع أمير الشعراء أحمد شوقي:
يا رب هبت شعوب من منيتــها ** واستيقظت أمم من رقدة العدم
سُعد ونحس وملك أنت مالكــه ** تديل من نــعم فيها ومن نقم
رأى قضـاؤك فينا رأي حكمتـه ** أكرم بوجهك من قاض ومنتقم
فالطـف لأجل رسول العالمين بنا  ** ولا تزد قومه خسفـاً ولا تسم
يا رب أحسنت بدء المسلـمين به ** فتمم الفضل وامنح حـسن مختتم

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد