الزلط أو البقش أو الفلوس كلها كلمات ومسميات "للبيس" أي الفلوس أعتقد أنه تعريف جامع، مانع لا يحتاج إلى توضيح.. وفي مجتمعنا عندما يتولى أحدهم أي منصب يوصف بـ"شبعان من بيتهم" بمعنى لديهم مال أو أهله أثرياء وكأن الآخرون (جوعانين من بيت أهاليهم" وميتون جوع، هناك علاقة وهمية بأن هذا الشبعان من بيتهم لن يأكل المال العام وسيؤكل الجوعانين، مع أن الشبعانين عادة يريدون شبعاً آخر حتى التخمة، صاحب الوادي يتمنى واد آخر، من اعتقادي أنها عادة الكفار وهي قديمة جداً كانوا يجادلون الله سبحانه وتعالى عندما كان يصطفي أنبياءه ورسله من الطبقة العادية، كانوا يقولون كيف يكون رسولا علينا ونحن أكثر منه مالاً وولداً وعزة.. أرحم الراحمين يرد على هؤلاء في كتابه المطهر القرآن الكريم -بأني أعلم ما لا تعلمون وأني زدته "أي هذا الرسول" أو بسطت عليه علماً وجسماً.. فلم يكن معيار الرسل المال أولاً، بل كان العلم والجسم، وحتى لا يزعل قصار القامة نقول لهم قصر القامة لا يعيق التفوق أو التميز وقد ختم الله الرسل بمحمد صلى الله عليه وسلم.
عودة إلى ما تفعله الزلط بالناس –أي الفلوس– لها وقعها الكبير في نفوس الناس وبناءً عليها يتم التعامل مع الشخص فهي اللسان لمن أراد فصاحة وهي السلاح لمن أراد قتالاً، كما قال أحد الشعر..
البعض يدعي أنه لديه مال ليحفظ ماء وجهه ومكانته بين قومه، والبعض الآخر يخفي أن له مال وثروة، خوفاً من الحسد وحتى لا يقصده أحد والبعض الثالث فعلاً ليس لديه مال معدم وفقير وهذا هو الكائن الذي من أجله أنشأت أقسام الشرطة والسجون وأوجد عقال الحارات ونظام الأخذ بالتقسيط، ومن أجل هؤلاء سنت القوانين الصارمة ومن أجلهم وجد المشائخ ورجال الأمن والمخبرون.
في المجتمعات المتقدمة (الناس اللي أبوهم من الناس وأمهم من الناس) كما تقول أمي -أطال الله عمرها- لا يتفاخر الناس بما لديهم من مال وجاه، يعني ما فيش "هنجمة وخبالة" كما يحدث عندنا، بل كل يبرز ما لديه من قدرات ومواهب وأعمال يتنافسون في العمل والإبداع وعدنا بكل جهل يتنافسون بعدد العمارات وكم عندك مستأجرين ومرافقين والسيارات التي لم يصنعوا فيها مسماراً واحداً.
من معظم الشوارع ومن المواصلات العامة وفي...إلخ، تجد عبارة بزلطي أنا حر، حقي ما دخلك؟! أنا حر في فلوس، هذه العبارات السخيفة التي تعطي للفلوس مكانة أكبر وصورة بشعة للتعامل اليومي وكأنها هي الشرط الأساسي للحرية وإعلاء الصوت والنخيط.. كمن يقول لسائق الباص مثلاً "بزلطني، ما أنت إلا سواق هيا" بدلاً من أن يشكره على خدماته.. أو أم التلميذة التي تأتي لإدارة المدرسة الخاصة، وتقول لهم جلسوها قدام أنا أدفع لكم فلوس عشان بنتي تتعلم وبنتها بطول الزرافة.. كيف يستقيم هذا؟!، لا تستغربوا يحدث هذا كل يوم في بلادنا.
خففوا من الهنجمة هذه شوية، لأنها تعبر عن جاهلية وعدم واستبدلوها بكلمة شكراً.. ومن يشكر الناس لم يشكر الله.
محاسن الحواتي
بزلطي أيش دخلك؟! 2042