لا تكتب ولا تقرأ لكنها امتهنت الشعوذة، اشتهرت بأنها المرأة الخارقة التي تعالج كل الأمراض، غيرت اسمها واشتهرت بفاطمة.. إحدى الصديقات تحدثت عنها بلغة فيها يقين بأن فاطمة تفك الطلاسم والسحر و..إلخ وصفتها لي وعندما ذكرت أن زوجها من فئة الصم والبكم تريثت قليلاً وبدأت أفكر في لعلها إحدى النساء اللاتي عرفتهن عندما أجريت دراسة عن العنف العائلي..؟ انتهى الموضوع دون التوصل إلى معرفة من تكون فاطمة..
في يوم من أيام صنعاء الباردة كنت أمشي كعادتي في الصباح، قابلت امرأة ممتلئة أخذتني بالأحضان قائلة (نسيتني.. ألا تذكريني.. أنا فاطمة زوجة..) عادت الذاكرة إلى الوراء، مازالت ملامحها الدقيقة وأنفها الصغير لم يتغيرا فقط امتلأت قليلاً.. بادرتها (والله ارتحت وامتلأ الوجه والجسم ايش الحكاية؟) ردت بفرح: (اشتغلت في الشعوذة!!) .. ماذا.. الشعوذة يا فاطمة.. حرام عليك.. قالت لي وهي مبتسمة (تعالى اشوف لك حظلك.. وأفك كل السحر والعين وأي حاجة أخرى).
مازلت متبلدة مما قالت: (أنا أعرف أنك مش حق هذه الأشياء، كيف عملت وما هو السبب؟)، ردت وقد انحسر الفرح عن وجهها (الظروف يا أستاذة زوجي بلا عمل وأنت عارفة هو أصم وأبكم، أولادي كبروا ولا أستطيع تدريسهم، يسألوني كل يوم ماذا نأكل، إلى درجة أن ملابسهم تمزقت ولا يجدون ما يلبسون! صاحب البيت هددني بسجن زوجي وهو يعلم بظروفنا، آخر مرة جاء ليرمي بالعفش إلى الشارع لو لا تدخل أهل الخير.. قطع عني الماء والكهرباء.. سمع الناس أنني لم أدفع الإيجار وأنه صبر علي ستة أشهر..) بكت بحرقة "يا أستاذة قررت من يومها أن أكون مشعوذة آخذ أموالهم وأعيش" تواصل وقد مسحت دموعها بطرف ثوبها (يا أستاذة أخت تعلمين أنني تزوجت ابن عمي هذا وهو أبكم وأصم طاعة لأبي وعمي وقد عمل مسكين من أجلنا إلى أن عجز عن العمل بسبب العمود الفقري.. لا يتحمل الأشياء الثقيلة لم يرحمونا، ولا أحد يساعدنا وأبنائي مازالوا صغار.. أعمل الآن بالشعوذة وأكبر واحد يأتي ليطلب مني العلاج حتى صاحب البيت طلب مني السماح وأنا أغادر شقته إلى شقة أنظف وأفضل والآن أعيش في بحبوحة من الحياة اشتريت أرض وبدأت ابني.. أبنائي في مدارس خاصة.. شهرتي الحمد لله كبيرة.. يأتون إلي من القرى والنواحي) تضحك قائلة (تعالي أعالجك يا أستاذة) قلت مازحة لها (عالجي الزبائن اللي عندك أنا خليني، كيف تكتبي وتعملي العلاجات وأنت لا درست ولا تعلمت؟).
ردت: (مش مهم.. المهم أعمل طلافس بيدى وشخبطات وأعطهم.. هذا بيني وبينك يا أستاذة تواصل الناس عندهم فلوسهم ووهم كبير بأنهم مسحورين وأمراض وأنا رزقي عند الله وهو يسخرهم لي..).
انتهى الحوار بوعد اللقاء قريباً.. ظللت أفكر في فاطمة وهذا التحول وكيف خلق منها المجتمع شخصية أخرى.. وأين الجهات التي تضمن لأمثال فاطمة حياة كريمة ليس فيها شعوذة..؟ إذا كانت في أي دولة أخرى لوجدت مرتب ضمان اجتماعي كاف لها ولأسرتها ورعاية طبية وسكن و..إلخ، لكن لأنها في بلاد خيرها لقلة فاسدة من الناس، فهناك آلاف المشعوذين والنصابين المتسولين و..إلخ.. مسؤولونا لا ألحقهم الله خيراً لا في الدنيا ولا في الآخرة، لأنهم بلا رؤية وبلا إنسانية ومحدودو التفكير وبالتالي العمل جعل من هذا الوطن واحة بؤس وفقر..
محاسن الحواتي
حكاية فاطمة "المشعوذة"! 2452