تمضي بنا السنوات بخطوات الثواني ومع عقارب الساعات وعلى أجنحة الأيام ، فترتسم معالمها في الوجوه ، وتحفر آثارها في النفوس ذكريات بحلوها ومرها ، ولكنها تظل المكون الأساسي لحصيلة تجارب حياتنا مع الآخرين وعبر الذات ، وتبقي فينا صدى الحياة الحاكي، جرساً في الأعماق ينزوي أحياناً خلف ضجيج المشاغل الآنية الملحة ، بيد أنه صوت لا يموت فينا ما حيينا.
يستيقظ ذلك الإيقاع في خلوة النفس ، أو حينما يلتقيك وجه من زمانه، أو عندما يبلغك نبأ رحيل خطى عن درب الفانية كم رافقتك في مشوارها القصير .
وحينما تلامس العيون الأمكنة والمدن التي انطبع نهارها فيها ولم يبرح شاشتها رغم الفرقة الطويلة، ويتداعي مساؤها حالما من خلف المسافات ، هنا تكتمل الصورة لتستفز القلم فتنسل الأنامل الى لوحة مفاتيح الحاسوب وكأنها ريشة تعيد رسم الصور القديمة ، للمكان والزمان والأشخاص .
من ذكريات الماضي الجميل أقف هنا عند أحد أعلام الصحافة المعاصرة في وطننا الحبيب، الصحفي والكاتب الأستاذ/ خالد إبراهيم سلمان - عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي، وعضو أمانته العامة، رئيس تحرير صحيفة الحزب "الثوري" حتى عام 2007م، الملاحق بأكثر من عشر قضايا نشر، ذلك الرمز الإعلامي في الساحة اليمنية ، والذي عرفناه جميعاً بكتاباته المحايدة، عرفته وحدوياً محباً لوطنه ، ومازال على رأيه ومنهجه، عرف بكتاباته الصادقة .
سألته ذات مرة عقب حرب 94م: لماذا لما تفر مع قيادات الاشتراكي إلى أي دولة رغم أنه قد عرض عليك اللجوء؟ فأجابني وبكل عز وفخر ( أنا يمني ولا أستطيع أن أعيش خارج هذا الوطن)، أعجبت بكلامه وصدقه وتابعت كتاباته طول السنين وهو رئيس لتحرير صحيفة الثوري، غادر أرض اليمن متجهاً إلى لندن ضمن الوفد المشارك في مؤتمر المانحين بالعاصمة الانجليزية ( لندن )، أجبر على عدم العودة إلى وطنه الذي عشقه وأحبه، وظل هناك مرغماً على مفارقة الأهل والوطن .
تحدث عن سبب لجوءه السياسي في بريطانيا قائلاً أنصح أصدقائي حين تصل الأمور إلى نقطة فاصلة بين الحياة والموت أن يختاروا الحياة من أجل كل الناس.. نعم إنه خالد سلمان الذي عرفته ، لو كان يريد اللجوء، والهروب من الوطن لكن قد عمل ذلك عقب حرب 94م، لكنه فضل البقاء في وطنه .
أحب الحرية لليمنيين، وسعى لتحقيقها، تناولات كتاباته هموم ومشاكل المواطنين ، وفضح المفسدين في الدولة ، خصص عدت مقالات لمعاناة أبناء الجعاشن وما يعانون من اضطهاد ، من أهم كتاباته (فهمناك، الحاكم الأبشع لم يأت بعد، إلى ماذا تهفوا نفسك يا هذا الشيء الحاكم، نم عميقاً سيدي الجنرال.. لا شيء في الأفق).
اشتقنا لقلمك أيها الكاتب الكبير، بالأمسِ كنتَ معنا ، كنا نعانق قلمك ونتلهف لكلماتك ونتشوق لها واليوم غبت عنّا افتقدنا قلماً ينزف بحرارة وقلباً يفيض بالأخوة .
فمتى تعود إلى وطنك؟ متى يعود قلمك وتعود كلماتك لتملأ سماء الوطن الغالي الذي أحببته وأحببناه جميعاً؟.
ويح الغريب على الأشواك مضجعه
وخبزه من عجين الهم والتعب
يعيش عن ربعه بالجسم مغترباً
وقلبه وهواه غير مغترب
يستقبل الليل لا تغفو هواجسـه
ويوقظ الفجر في ليل من الكرب
يعلل النفس بالرجعى ويخدعها
فهل تحقق بالرجعى أمانيه؟
رائد محمد سيف
أقلام لن تنسى.. 2367