علاقة إسرائيل بجنوب السودان وبالذات الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة العقيد/ جون قرنق سابقاً وسلفا كير حالياً هي علاقة من نسيج خاص، إذ تعمد على مصالح كثيرة وتنطوي على خطط رهيبة تتجاوز البعد الجغرافي السوداني.. فإسرائيل الدولة الغربية في الجسم العربي تبحث لها عن موطئ قدم في القارة السمراء، لم تكتف بتغلغها في جنوب أفريقيا وفي الشرق والغرب بل جاءت من الوسط: هنا العم المنظم الذي لا يعرفه العرب، بالرغم من كراهيتي لهذا الكيان الاستيطاني إلا أنني اعترف بقدرة قياداته المختلفة على تنفيذ الخطط المرسومة والبرامج والأهداف بمهارة عالية، فلا أحد فيهم من يهدم ما بنى السلف ولا حاكماً يمشي على هواه، كله "ماشي" في خط واحد من أجل الدولة العبرية ومستقبلها.
 إسرائيل في سياستها مع أفريقيا القارة تتعامل كالأسد الجائع جداً.. الأسد الذي يحسن قبضة فريسته جيداً من أحشائها بعد رقبتها.. فأحشاء القارة البكر هي دولة جنوب السودان التي سعت إسرائيل والولايات المتحدة وكل دول أوروبا إلى انفصالها في لحظة تاريخية هي المنعطف الأخطر للسودان الكبير.. حيث كان الحل عقلانياً "الانفصال" لكن ما سيترتب عليه لا يعقل!
× قرأت ذات مرة تقريراً عن اجتماع للكنيست الإسرائيلي وفيه اعتراف خطير ووقح بأنهم نجحوا في دارفور من خلال المنظمات الدولية العاملة هناك ومن خلال أعوانهم ـ ما أكثرهم وما أرخصهم ـ في السودان.. وعليهم أن يكثفوا الجهود من أجل تقرير مصير شعب الجنوب ليس حباً فيهم، لكن من أجل تثبيت أقدامهم ورعاية مصالحهم الإستراتيجية هناك. ووقف المد الإسلامي في القارة وهو النموذج الذي أختاره شمال السودان وهذه نموذج لا يحبذه الغرب عموماً كونه لا ينسجم وتوجهاتهم، التقرير خطير لكن بالطبع هناك تقارير أخطر فيما يخص المنطقة العربية، وأن تحظى دار فور بنصيب آخر من الاهتمام فهذا يعني أن النية مبيتة والجماعة في إسرائيل ناوين تفتيت السودان وهم الذين يعترفون بأنهم مولوا الحركة الشعبية بالسلاح وليس ببعيد لو قلنا أنهم شاركوا في الحرب ضد الشمال في الماضي والحاضر كما يعترفون ويفخرون أنهم أهَّلوا ودرَّبوا قادة الحركة في إسرائيل!!.
السودان البلد الممتد محسود على هذه الأرض الواسعة، والصحاري الشاسعة إذا كانت دارفور تساوي مساحتها مساحة فرنسا فكيف بباقي الولايات السودانية الأكبر مساحة من دار فور؟ النظام في السودان اختار النهج الإسلامي، ومن المفارقات العجيبة أن الأميركان يعلنون أنهم على استعداد للتعامل مع الإسلاميين في كل العالم العربي إذا ما تقلدوا السلطة..
الأخوة الإسلاميون في السودان غير مرغوب التعامل معهم!! لا بد من تغيير النظام حتى لو عمل بالديمقراطية وقسم السودان وأعطى الجنوبيين حق تقرير المصير حتى لو أعطى المرأة حقوقها.. مهما فعل النظام بالسودان فلن ترضى عنه الإدارة الأمريكية ولا إسرائيل ولا دول الاتحاد الأوروبي.. ما هذا الحظ الملعون.. لا ليس حظاً ملعوناً لكنها سياسة ملعونة..
× الآن وقد ولدت الدولة الهزيلة في جنوب السودان.. وأرتاحت أميركا وسارعت إسرائيل لنصب خيامها أقصد سفارتها وهاهم كلما حاول السودان ـ شمالاً ـ النهوض قالوا لدولة الجنوب "أطلع له يا عبده" أي قم بما يعرقل، أفتعل ما يستفز، صرح بما يثير الرأي العام، أصبحت دولة الجنوب كشوكة في الحلق لا يمكن بلعها ولا إخراجها من الحلق!! إسرائيل وسط القارة من أحشائها وتجلس للسودان وللعرب كالحية تحيط بهم من كل الاتجاهات وهم رقود.
× حاولت أميركا وإسرائيل التلويح بمحكمة الجنايات الدولية أكثر من مرة وفتحت ملفات عنه كدارفور والآن كردفان وغداً ملف الشرق والجنوب ما زال منطقة ملتهبة وهكذا لا تهدأ للسودان نار..ألا يعي العرب سياسة إسرائيل وأميركا في السودان؟، تُرى لماذا هم بلا خطط، بلا أهداف في السودان وفي القارة البكر التي ينبغي أن تكون قارة مسلمة أو مسيحية متعاونة مع المسلمين..؟ لماذا يا عرب أنتم تائهون ومشتتون في رؤاكم أثرياء لكن فقراء، متعلمون لكن جهلاء؟ هذا ليس جلداً للذات لكن حالة ولادة لأسئلة لم تعد محرمة أو وقحة.
× إسرائيل تعقد اجتماعاتها على مستوى عال لدارفور وكيفية العمل فيها ونحن لم نجتمع يوماً من أجل وضع خطة لبناء قطاع عزة ـ وتأهيله، لم نلتف من أجل كردفان في غرب السودان المقبلة على حرب أهلية.. لم نضع رؤية عملية من أجل مستقبل العالم العربي عموماً.. تركنا أمرنا للزمن وللأقدار وعبده يطلع لنا في كل وقت وحين، يختلق الخلافات، يزيد النار حطباً، يؤجج التوترات، يلعب على الاختلافات المذهبية والعرقية وغيره.. والمنظمات الدولية منسقة على مستوى عالٍ من أجل أهداف مشتركة عليا.. وأطلع له يا عبده.