;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

المسلمون والتربية 2095

2012-04-30 04:11:09


قدمت الحضارة الإسلامية مجموعة كبيرة من العلماء والمبدعين في كافة المجالات وعلى رأسها المجال التربوي والتعليمي باعتبار أن التعليم وهو القاطرة التي تقود بقية مقطورات الحياة الإنسانية، وباعتبار المعلمين هم الذين من خلالهم تنفخ روح الحياة الإنسانية في الكائن البشري، المحددة لسيره في هذه الحياة، إما بالحفاظ على فطرته وتزكية نفسه، أو بمسخ كينونته وطمس بصيرته، وهو ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".
ولقد اعتنت أجيال المسلمين بالشأن التربوي ولم لا تعتني به والنبي صلى الله عليه وسلم يبين أن الله بعثه معلماً، والقرآن يؤكد على مبادئ العملية التربوية التعليمية في التعليم والتزكية، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (2) سورة الجمعة.
ويمكن تلخيص التاريخ الإسلامي إلى الفترات الآتية:
فترة الازدهار:
وهي الفترة التي كان فيها المسلمون يحملون الإسلام علماً وعملاً قولاً وفعلاً، جهداً تربية وتزكية وتعليماً دعوة ودولة، وقد امتدت هذه الفترة لعدة قرون تجاوزت القرن الرابع الهجري، على ضعف في بعض السنين تخلل تلك القوة ولكن الأغلب أن المسلمين كانوا يملكون الزعامة الفكرية والسياسية والاقتصادية وهو ما حدا بالخليفة هارون الرشيد أن يخاطب السحابة بقوله: أمطري حيث شئت فإن خراجك راجع إلي. وفيها كان المسلمون يدهشون العالم بالعلوم التي يخترعونها وبالآلات التي يصنعونها وبالعلوم التي يحوزونها حتى كانت ملوك الدول الأوربية ترسل أبناء الملوك للتعلم في بلاد المسلمين.
وفي فترة الازدهار هذه تحرر العقل من قيود الجهل، وانعتق من أغلال الخرافة، فآيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تجعل من التفكير فريضة إسلامية، ومن إعمال العقل واجباً بالتفكر والتدبر، وآيات القرآن الكريم كثيرة ومعروفة, كما في قول الله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (191) سورة آل عمران والأحاديث في ذلك مشهورة ومعلومة، ومنها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الآيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وفي هذه الفترة نشطت حركة الرحلة العلمية والتأليف في سائر الفنون والتدوين والترجمة والتثاقف الحضاري وكان المسلمون يخترعون العلوم التي لم يسبق إليها أحد، ويطورون ما ورثوه من علوم عن الحضارات الأخرى، ويستشرفون المستقبل ويسعون لتسخير الكون لخدمة الإنسان.
عصور الحياة على إنجاز الآباء:
لم يتوقف البحث العلمي مرة واحدة، ولكنه أخذ في الهبوط، ولم تتوقف المنجزات فجأة ولكنها أصيبت بالضمور، وبدأت الاحتكاكات العلمية التي كانت موجودة في عصور الازدهار تختفي تدريجياً، وأصيبت الأمور بالنمطية شيئاً فشيئاً، ويمكن أن نقول إن عصور الازدهار لم تعرف النمطية وأن عصور الحياة على إنجاز الآباء مهدت لوجود النمطية وفتحت الطريق أمامها، ونضرب لذلك مثلا خذ كتب علماء الحديث: البخاري له منهجه ومسلم له منهجه والترمذي يختلف عنهما ولا يشبهه أبو داود وهكذا تجد ثراء في الطرائق والمناهج، وهو ما افتقرت إليه عصور الحياة على إنجازات الآباء.
إن العلم ليس له وطن، والعلم يرفع من يحمله، وليس من يدعي حمله، فلما بدأت الحياة العلمية تأخذ طابعاً هامشياً في الوجود الإسلامي، نمت الخرافة في غفلة من العلم، وتوسعت دائرة الشعوذة مقابل دوائر التفكير والتمحيص والتدقيق، وإذا كانت عصور الازدهار هي قمة العطاء الإسلامي فإن سير الحضارة الإسلامية أشبه بحالة السيارة التي توقف محركها وما زالت تسير بقوة الدفع التي كانت لديه في حركتها لا بحركتها الذاتية ولكن بالحركة السابقة.
عصور الانحطاط:
وتميزت هذه الفترة بالقنوع بما أنجزه العلماء السابقون، وكانت البداية بأكبر جريمة عقلية تمثلت في بدعة إغلاق باب الاجتهاد، فحكمت النخبة على العقل الإسلامي بالحجر، وكان ذلك عندما حلت على المسلمين مصائب الاحتراب الداخلي، وكابوس الاستبداد السياسي، وجريمة الجمود الفكري جثمت على صدورهم مرحلة الانحطاط الفكري، وأهم مميزاته الانقطاع الحضاري التام، أصبح المسلمون على هامش العالم، وبرغم وجود فترات قوة في هذه العصور إلا أنها كانت استثناءً أو جزئياً أي في جانب دون جانب. يضاف إلى ذلك أن عصور الانحطاط تمثل الصورة المثلى لاجترار الماضي ومضغ الكلام.
محاولات النهضة:
تأتي هذه في محاولات النهوض بالأمة وما زالت الجهود قائمة وأخذت مسارين متوازيين هما الاستفادة من العلوم المعاصرة ونقلها إلى العالم العربي دون إخلال بالهوية الإسلامية، والخط الثاني هو الانتفاع بالتراث الفكري التربوي الإسلامي والاستفادة من العلماء الكبار والمدارس الفكرية الكبرى في تاريخنا الإسلامي الطويل، وبرغم وضوح هذين الخطين فقد حاولت الحكومات العربية والإسلامية تفريغ التربية من اتصالها بهويتها الحضارية الإسلامية من جهة وقطعها عن علوم العصر من جهة أخرى، وبرغم كل المخاوف، فإن التربية تتبوأ مكاناً حاكماً في حياة الناس، ففي كل بيت أطفال يتعلمون، ومن كل بيت تتغذى المدارس بعناصرها البشرية، وهو ما يجعل التربية المهمة الأكثر حيوية وحساسية مواصلة النهوض بالخطين السابقين للانتفاع من علوم الحاضر والماضي والحفاظ على هويتنا الإسلامية.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبد الملك المقرمي

2024-05-05 23:08:01

معاداة للإنسانية !

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد