;
د. عادل عامر
د. عادل عامر

النخب السياسية وغيابها عن المشهد السياسي المصري 2165

2012-05-25 00:59:42


وإذا كان هناك اعتقاد بأن النخب السياسية مفتوحة أمام كل أفراد المجتمع كيفما كان منشِؤها الاجتماعي، مهنها، مستواها الثقافي أو طبيعة جنسها؛ فإن موسكا اعتبر أن نقيض هذا النموذج هو السائد؛ على اعتبار أن هناك أقلية تتميز عن باقي شرائح المجتمع بخصائص معينة تمنحها تفوقاً مادياً، ثقافياً وأدبياً وفي مقابل الرأي الذي يركز على النخبة السياسية في مقارباته وتحليلاته كأرسطو، باريتو، موسكا، هناك اتجاه آخر قاده كل من سان سيمون وكارل منهايم وريمون آرون ورايت ميلز، أكد فيه أصحابه على وجود أشكال متعددة من النخب؛ تعمل بشكل مشترك (نخبة عسكرية، نخبة اقتصادية وسياسية..)، فالمجتمع - بحسب هذا الرأي الأخير - ينتج بالإضافة إلى نخب سياسية نخباً أخرى، غير أن هذه الأخيرة لا تحظى بممارسة أدوار سياسية كبرى، بل يظل تأثيرها في قضايا ومواقف هذا الحقل متواضعاً، ويعتقد أحد الباحثين أن الفرق الأساسي بين النخبة السياسية وباقي النخب يكمن في كون الأولى تتمتع بمجموعة من الصلاحيات تجعلها هي المقررة الأولى للمجتمع؛ بحيث تختار له توجهاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية أحياناً، مما يجعل سلطاتها واسعة وتأثيرها لا محدوداً، أما النخب الأخرى؛ فإنها تمارس نفوذها وسلطتها داخل مجالاتها الخاصة، دون أن تستطيع التأثير على التوجهات السياسية بشكل قوي وفعال ومن هذا المنطلق؛ فالنخبة السياسية تحتل مركزاً متميزاً ضمن قائمة مختلف النخب الأخرى، باعتبارها تملك القوة والقدرة داخل النظام السياسي للدولة، وتسهم بشكل محوري في صناعة القرارات.
 ولقد جاءت نظرية النخبة كرد فعل على استحالة تطبيق الديمقراطية باعتبارها "حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه"، وكبديل لنظرية الطبقات الاجتماعية التي جاءت بها الماركسية، فباريتو في كتابه "العقل والمجتمع حدد مفهوم النخبة في كونها مجموعة من الأفراد الذين توفقوا في مختلف أنشطتهم ووظائفهم بشكل جيد داخل "مباراة الحياة"، بالشكل يجعلهم قادرين على احتلال مناصب قيادية للقيام بأدوار سياسية واجتماعية محورية داخل المجتمع؛ وتظل هذه القيادة غير مشروطة بالضرورة بموافقة أفراد هذا الأخير.
أما موسكا، فيؤكد على أنها مجموعة قليلة من الأشخاص يميزها التماسك وتملك القوة والإمكانية في مواجهة الأصوات المعارضة لها، وهي بذلك تملك قدرة فائقة على تنظيم أغلبية اجتماعية غير منظمة، غير أنه وعلى عكس باريتو يؤكد على ضرورة توافر موافقة المحكومين في هذا الشأن (مقاربة ديمقراطية).. فيما يبرز بوتومور أيضاً الدور الهام الذي تلعبه النخبة والمرتبط بتدبير شؤون المجتمع وقيادته، أما ميشيل روبرتو ومن خلال مقاربته لنشاط الأحزاب السياسية؛ توصل إلى أن هذه الأخيرة باعتبارها مظهراً من مظاهر الممارسة الديمقراطية؛ تصبح مع مرور الوقت رهينة تحكم أقلية تستأثر بسلطة واسعة على مستوى اتخاذ القرارات داخل التنظيم، ونفس الشيء بالنسبة لبنيات اجتماعية أخرى بما فيها الدولة، وبخاصة وأن هذه البنيات تحتاج إلى أقليات منظمة، من خلال المعطيات السابقة.
يمكن استخلاص أن النخبة السياسية هي أقلية داخل المجتمع، تتوفر على خصائص وقدرات ذاتية وإمكانيات أخرى موضوعية؛ تمكنها من قيادة المجتمع والتأثير في مساره من خلال قدرتها على صناعة القرارات السياسية.. من المفروض أن تحتل النخبة السياسية - باعتبارها الفئة التي تستأثر باتخاذ القرارات الأساسية في الدولة أو تؤثر فيها- مكانة متميزة داخل المجتمعات باعتبارها القاطرة التي ينبغي أن تقود حركة التطور والتنمية، غير أن نجاح هذا الدور الحيوي والهام يظل مرتبطاً بمدى قوتها ومصداقيتها وتجددها.
 وفي هذا السياق؛ تشير بعض الدراسات إلى أن النخبة السياسية وحدها (رؤساء الجمهوريات، ورؤساء الوزارات، والأحزاب والمجالس البرلمانية...) تستطيع أن تحدث الإصلاحات والتغير داخل المجتمع والدولة، ذلك أن استمرارية الديمقراطية على امتداد فترات زمنية طويلة يتطلب العديد من التغييرات والتعديلات، تستطيع النخبة من خلالها.
أولاً: النخبة التي تقدر الديمقراطية وتستجيب للاهتمامات المختلفة وتعمل على دمجها، أن تقوم باستمرار بإصلاح الديمقراطية وإعادة تشكيلها ويبدو أن استقلال النخب السياسية، لا يمنع من ارتباطها بممثليها والفئات التي تدعمها، وهذا هو النصف الثاني من الحقيقة التي أبان عنها شوميتر، وقد بين فيبر ذلك فيما يخص الأحزاب والتنظيمات السياسية؛ بحيث أن القادة الحزبيين في تنافسهم على السلطة، غالباً ما يحققون لأنصارهم بعض الرغبات والمطالب، كما أن أولئك الذين هم في مراكز السلطة، يعون تماماً مدى عدم استقرارهم في مراكزهم؛ ولذا فإنهم يقيمون اعتباراً للفئات المعارضة؛ إذ أنهم أنفسهم كانوا في صفوف المعارضة وسيعودون في يوم من الأيام إلى تلك الصفوف ومن هذا المنطلق؛ يظل التجديد داخل هذه الفئة أمراً مطلوباً - ولو تم ببطء - لأجل تعزيزها بعناصر جديدة كل حين، غير أن الملاحظ هو أن هذا التغيير يظل مرتبطاً بطبيعة النظام السياسي الذي تشتغل فيه هذه النخبة، فكلما كان الفضاء ديمقراطياً ومنفتحاً؛ إلا وبرزت حركية وحيوية هذا التجدد باستمرار، وكلما كان النظام السياسي منغلقاً وشمولياً حدث العكس.
 إن النخب السياسية في العديد من المجتمعات التي تعاني من ويلات التسلط؛ تضع شروطاً تعجيزية للالتحاق بصفوفها؛ كما أنها لا تقر بأهمية الممارسة الديمقراطية إلا عندما تكون هذه الأخيرة في صالحها، فآلية الانتخابات المزورة تسمح بإعادة تجديد نفس الوجوه أو صعود النخب الموالية لها. ومن هنا نطرح سؤالاً ملحاً: هل يمكن لنخبة سياسية لا تؤمن بالديمقراطية ولا تتبناها في ممارساتها أن تطالب جهات أخرى بتحقيقها وبلورتها في الواقع؟
ثانياً: أزمة التغيير الديمقراطي في المنطقة العربية: بدأت الديمقراطية في العقود الأخيرة التي أعقبت انهيار المعسكر الشرقي ونهاية الحرب الباردة - كما هو الشأن بالنسبة لمجموعة من القضايا الحيوية الأخرى كحقوق الإنسان والمحافظة على البيئة ومكافحة الإرهاب- تأخذ بعداً عالمياً، حيث تزايد الاهتمام بهذا الشأن داخل الأوساط الدولية الرسمية منها وغير الرسمية؛ بعدما ظلت حتى وقت قريب تعد شأناً داخلياً يحاط بجدار سميك تفرضه سيادة الدول، وهذا ما شكل في أحد جوانبه رادعاً معنوياً لتمادي مختلف الأنظمة الديكتاتورية في استبدادها، فعلى مستوى الممارسات الانفرادية لبعض الدول؛ أضحى توجيه المساعدات يخضع لمعايير احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما أن تقييم أداء الأنظمة والرضا عنها أضحى في جانب مهم منه يخضع لهذه الاعتبارات، فيما تنال الدول التي تصنف غير ديمقراطية ولا تحترم حقوق الإنسان حملات تشهيرية وعقوبات سياسية واقتصادية؛ وقد تصل إلى حد ممارسة الضغوطات العسكرية ضدها أحياناً.
وعلى المستوى الجماعي، فلا تخفى أهمية عامل احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان كمؤشر أساسي ضمن مجموعة من المؤشرات التي يقاس بها مدى تقدم وتطور الدول. ومن جانب آخر تمكن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من مراكمة مجموعة من القرارات التي تؤكد الاهتمام الدولي بهذه القضية والتي وصلت إلى حد استعمال القوة العسكرية لأغراض مرتبطة بتثبيت الديمقراطية مثلما هو الشأن في هاييتي في بداية التسعينيات من القرن المنصرم، أو التدخل لأغراض إنسانية مثلما تم في كل من العراق أو الصومال في بداية التسعينيات من القرن الماضي.. وإذا استحضرنا كون الديمقراطية ترتبط في الغالب بتداول السلطة بشكل مشروع وسلمي، واحترام حقوق الإنسان مع القدرة على تدبير الاختلاف، فإنه وباعتماد هذا التعريف ومقاربة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الأقطار العربية على ضوئه، يتبين منذ الوهلة الأولى أن هذه الأخيرة تعيش أزمة ديمقراطية حقيقية، لا تخلو من تداعيات سلبية داخلية وأخرى خارجية.. حقيقة أن معظم الأقطار العربية كانت من ضمن الدول التي دخلت معترك هذه التغيرات بنسب متفاوتة في أعقاب التحولات الديمقراطية العالمية التي هبت على مختلف المناطق من العالم، بعدما لم يعد بإمكان الأنظمة المستبدة تجاهل الضغوطات الدولية القائمة في هذا الشأن.

× كاتب مصري ودكتور في الحقوق وخبير في القانون العام.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

محمد الجماعي

2024-05-06 23:20:44

"فسيلة" الزنداني؟

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد