كنت أعد لكتابة مادة عن الوحدة اليمنية المباركة، بكرت إلى مكتبي وقلت صباحاً كون المزاج معتدل، إنها مناسبة لها مكانتها في الوجدان، تتجاذبني كانت عدة عبارات واتجاهات سياسية ارتسمت بحدة ف الخارطة السياسية، ولم تغادرها رغم التحول الذي شهدته البلاد، كنت أفكر في خطاب فك الارتباط والانفصال والدعوات غير الرحمة بهذا الوطن، اللامبالية، بمستقبل هذه الأمة، كما فكرت في تنظيم القاعدة "الجناح الوطني" إذا صح التعبير لأنهم صناعة محلية مدعومة لها علاقات مع مراكز نفوذ سابقة تستخدم كفزاعة بالداخل والخارج.. "تحول جهادهم من المصالح الأمريكية والغربية إلى زعزعة الأمن والاستقرار في اليمن، فهل صرنا أميركان أو أوروبيين حتى يفعل بنا كل هذا؟ هل تحولت اليمن إلى أميركا؟ كيف لم يفكروا بهؤلاء الجنود وأمهاتهم وأهلهم؟! كيف قست قلوبهم وقتلوا في يوم واحد أكثر من مائة جندي؟! كنت أفكر أيضاً في المنادين بالفيدرالية إذا ما كانت هي الحل في التعايش السلم ولم يبعد تفكيري عن الحوثيين الذين يغردون لوحدهم.. وأن ابدوا انفتاحهم على الآخر يظلون يحملون أفكاراً خاصة، حكايتهم مع السنة في دماج والحرب بالوكالة والنيابة عن إيران وعن المملكة العربية السعودية.. إذ كيف تستقر اليمن وكل يجذب طرف ثوبها الساتر لها.
كل ذلك وأنا أعد لكتابة مادة عن عيد الوحدة المباركة ولم أبدأ بعد في يوم 21 مايو، أشعر أنه عيد مختلف، أول عيد بعد الثورة السلمية، بعد مخاض عسير سيكون بنكهة خاصة لا شك صورة أخرى ليس كما كان.. اتصلت بي قريبة لي بيتها قريب من ميدان السبعين لتبلغني عن الخبر الحزين، الخبر الأشد إيلاماً، تفجير يودي بحياة أكثر من مائة جندي ومئات الجرحى.. ما ذنبهم وقبل ذلك من وراء الحادث ولماذا؟! وكيف تمت العملية؟ من هول الصدمة لم أعرف ما الذي عليّ أن أفعله فقط استمع بذهول إلى تحليلات لما حدث.. وعندما فتحت عبر النت بعض المواقع الأخبارية لم أجد سوى تبني تنظيم القاعدة لهذا العمل الإجرامي الذي لا يتبناه الشيطان.. وفي اليوم التالي تم التصريح بأن منفذ العملية هو أحد الجنود، وفي اليوم الثالث ينفى ذلك تحت عنوان "منفذ هجوم السبعين حي يرزق"، ومضمون الخبر أن المتهم الذي قيل أنه فجر نفسه، جاء بمعية شقيقه الأكبر لوزارة الداخلية وسلم نفسه إلا أنه ليس الفاعل.. "كلام جرايد"، لكنه لا يشفي غليل أم فقدت كبدها، كلام لا يمسح دمعة طفل، أخت صغيرة زوجة أهل مازالت قلوبهم جرحى ونفوسهم تنزف حزناً.. ترى من نفذ العملية؟!.. أي نعم تنظيم القاعدة، ولكن هناك تفاصيل لابد منها، لقد تحولت ساحة حربهم إلى صنعاء بربكم وبرب دين محمد كيف سيقابل هذا القاتل ربه؟! ماذا سيقول ما مبرره يوم لا مالك إلا الله والناس يومئذ عراة حفاة أمامه، يوم يفر المرء من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه.. ما مبرره هذا المفجر وهو يحصد مائة نفس في يوم واحد.
إننا أمام تطرف وحشي لا يرحم صغيراً ولا كبيراً، إرهاباً من نوع خاص، قد يسوقنا لواقع مرير، سيزيد ويضاعف من الوجود العسكري الأميركي وكلما زادت العمليات الانتحارية زاد العمل العسكري المشترك "يمني-أميركي" ضد القاعدة وهات يا تحدي لصالح أطراف تراهن على ذلك.. إنها مرحلة صعبة تقول إن أي تقارب "يمني-أميركي-غربي" سيزيد من عمليات القاعدة والنظام في الوقت الراهن يحتاج كثيراً لمساعدة الأصدقاء قبل الأشقاء للتنمية والاستقرار.. إن الحوار مع القاعدة يكاد يكون مستحيلاً إلى جانب الهوة الواسعة بين النظام والجماعات المتطرفة عموماً.
إن هذا الوطن ممعن في حزنه حتى النهاية، غارق في آلامه كلما حاول أن يبتسم أطبق عليه وتحولت ابتسامته إلى صرخة مكتومة.
يومها لم أكتب وبعدها عن الوحدة ومر عليّ الثاني والعشرين وأنا حزينة كسماء المدينة صنعاء التي كانت تتلفح حزنها، بصبر وجلّد.. ماذا عسانا نقول سوى في أي دين يقتل كل المسلمين؟!.
محاسن الحواتي
ممعن في الحزن هذا الوطن 2013