يطلق اسم ليبرالي على دعاة وأتباع الفكرة الليبرالية التي مثلت اتجاهاً فكرياً وفلسفياً معاصراً يدعو إلى التحرر ويركز بالذات على الحرية الفردية ووجوب احترام استقلال الأفراد، ويعتقد أن الوظيفة الأساسية للدولة هي حماية الحرية الفردية كحرية التفكير والتعبير والملكية الخاصة والحرية الشخصية، وأصل التسمية أجنبي لكن التسمية هذه عُربت باستخدامها وكثرة تناول اللسان العربي لها وإلا فهي مأخوذة من Liberalism في الإنجليزية وتعني التحررية، ويعود اشتقاقها في الإنجليزية إلى Liberaty التي تعني الحرية، وابرز من ينسبون أنفسهم إلى هذا الاتجاه الفكري هم القوى اليسارية في البلاد العربية والإسلامية بمختلف تفرعاتهم الناصرية والاشتراكية والبعثية وغيرها، وهذه القوى في الغالب حكمت أجزاء من البلاد العربية والإسلامية سامت على اثر حكمها من يخالفها الرأي والفكر سوء العذاب، ولما خرجت من الحكم ووجدت نفسها في المعارضة فبدأت تسوق نفسها لدي المواطن العربي بالذات من خلال الشعارات التحررية التي انخدع ببريقها المواطن التواق للحرية والذي خانته ذاكرته أن هذه الشعارات البراقة كسراب بقيعة يحسبه الضمان ماءً حتى إذا وصل إليه لم يجده إلا استبداداً تحت عباءة الحرية، وهذا ما شهدت به الثورات العربية حيث ظهرت هذه القوى غير محترمة لما تدعيه من حرية يجب أن يتذوقها الفرد، وذلك حينما نصبت من نفسها وصيا على هذه الشعوب التي شعبت على الطوق وبدأت تمارس بحرية قرار اختيارها لمن سيمثلها، والفكرة التي تحبذ اعتناقها، فلما حصل هذا ثارت ثورة دعاة التحرر، ورواد الحرية هؤلاء ضد من اختارتهم الشعوب عن قناعة لتجريبهم هذه المرة بعدما ملت الشعوب من تجريب المجرب وتكرير المكرر ووصلت إلى قناعة بصحة المثل القائل تجريب المجرب حمق فقررت أن لا تقع في الحماقة لكن لم يكن في حسبانها أن تجد من يقف ضد حرياتها ويعترض عليها ويريد مصادرتها هذه المرة أولئك الذين تلقت عنهم الشعوب الدروس النظرية في الحرية نثراً ونظماً وقصصاً ومسرحيات، كما تلقت عنهم دروساً نظرية أيضاً في صناعة البطولات على طريق استرداد الحريات المصادرة، فما إن قررت الشعوب تحويل تلك الدروس إلى واقع ليحكي بطولة سطرت أحرفها الدماء، ونظم نثرها الأشلاء، إلا وجدت الشعوب نفسها وجها لوجه في مواجهة أساتذة الحرية التي لم تكن الشعوب يوما تعلم أنها تلقنها الحرية التي تجعلها ولا بد تسعى قبل ممارستها على مرسوم بالموافقة من الأستاذ الذي كان يلقنها إياها ليل نهار لتمارسها لا كما تشتهي ووقت ما تشتهي وأينما تشتهي ولكن كما يشتهي ووقتما يشتهي وأينما يشتهي الأستاذ، وخير شاهد على هذا ما حصل في مصر حينما قرر الشعب تحرير قراره باختياره الإخوان رأينا ورأى العالم زيف تلك الشعارات التحررية التي وقف أربابها يريدون الإملاء على الشارع المصري رغباتهم بأن يرشحوا وفلاناً من الناس، لكن لما كان قرار الناخب المصري عكس ذلك فأفرزت الانتخابات الرئاسية في جولتها الأولي مرشحاً إسلامياً كان من المفترض على القوى الثورية إسلامية كانت أو ليبرالية أن تصطف معه لمواجهة محاولات إجهاض الثورة بإعادة إنتاج نظام المخلوع مبارك، رأينا كيف كان موقف بعض هؤلاء التحررين الذين بدا بعضهم ربما يري أن في إعادة إنتاج النظام المخلوع خير له من صعود قوى ثورية إسلامية تحت حجج ومبررات واهية وصلت إلى حد القول بأن المصريين أمام استبداد باسم الدين متناسيا أن الشعوب صاحبة القرار وهي من ستعمل على مواجهة أي استبداد قادم، لكن للأسف كانت هذه المواقف مسقطة لأقنعة أصحاب الدعوات التحررية ذوي الممارسات الاستبدادية الذين لم يكن لهم طائل من وراء دعواتهم تلك إلا العود للسلطة التي فُطموا منها والتي لا يستطيعون العيش خارجها، السيناريو هذا سيتكرر في بلدان الربيع العربي وستجد الشعوب نفسها في مواجهة هؤلاء الذين يستعجلون زوال كياناتهم ويستعجلون الشعوب ترمي بأفكارهم التي وجد الانفصام بينها وبين واقع ممارسة أصحابها إلى مزبلة التأريخ، إننا من خلال هذه العبارات نريد من القوى الليبرالية أن ترتقي بنفسها وأن تكون عند مستوى ما تطرح وتنظِر وأن تكون على مستوى عال من احترام إرادة الشعوب وأن لا تستجلب الخارج لتكبير وجودها في الداخل ما دامت تؤمن بحق الأغلبية على الأقلية، وما دامت تؤمن أن الأيام دول وأنه قد كان لها الصولة والجولة فيما مضي ليكن عليها اليوم أخلاقيا أن تسهم في استكمال دوران عجلة التغيير ليجرب المجتمع كل قواه التي لم تجرب إلى اليوم، نقول هذا إن كانت هذه القوى حية وتمتلك مشروعا يمكن أن تعود لمشروعها الشعوب في حال إخفاق المشروعات التي اختارتها اليوم، كما نقول لهذه القوى في هذا البلد والتي بدت متمترسة خلف القضية الجنوبية لا لشيء إلا لتحقيق مكاسب شخصية إن هذه القضية تعني كل جنوبي ناهيك عن أنها تعني كل يمني فلماذا تنصبون أنفسكم أوصياء على الجنوب مع أن الجنوب تمثله إلى جانبكم قوى أخري يجب أن تحترموا رؤاها مهما كانت متباينة و رؤاكم بدلا من اللجوء إلى إرهاب المخالف لكم عبر آلتكم الإعلامية، كما إن الواجب اليوم يستدعى من دعاة الليبرالية هؤلاء أن يعملوا على ردم الهوة القائمة بين أطروحاتهم التحررية وبين ممارساتهم المسوقة للناس العبودية بزي جديد من خلال التحالفات المشبوهة مع القوى الإمامة الرجعية التي لا تريد بنا العودة إلى عهد النظام الذي خلعناه بالأمس القريب فحسب بل تريد لنا العود إلى عهود ما قبل ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عهود السادة والعبيد، نقول هذا حتى لا نجد أنفسنا أمام جيل يعيش العبودية في زمن التحرر وبلاد الحرية، وحتى تجدوا أنتم أنفسكم وقد صرتم آلات بيد أدعياء السيادة ممن لن يقبلوا إلا بتركيعكم قبل غيركم.. فهل أنتم فاعلون؟.
نجيب أحمد المظفر
الليبراليون..حرية مدعاة واستبداد ممارس!! 2044