تكاد تتشابه الظروف والأحداث والتحديات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية على الساحة اليمنية اليوم بما كانت عليه الأحداث والتحديات بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م المجيدة حتى أواخر السبعينات من القرن الماضي وتحديداً حتى بدء حكم الرئيس الشهيد/ إبراهيم الحمدي وعصره الذهبي.
فعلى الرغم من التشابه بين الثورتين السبتمبرية والشبابية السلمية بنبل الأهداف وبأنهما مثلتا بارقة أمل ولحظات فارقة في التاريخ السياسي اليمني الحديث وبتشابه الأنظمة الأسرية التوريثية التي قامت ضدهما الثورتان الأمر الذي ينسحب بنفسه على التحديات والعوائق التي تمثل عقبات أمام اليمنيين اليوم وانطلاقهم نحو المستقبل، فالقوى الملكية والقبلية في السابق التي قاومت التغيير بعد ثورة سبتمبر وقادت صدامات ومواجهات مع الجمهوريين لفترة طويلة أثرت على استقرار النظام السياسي وامتد أثرة حتى أواخر السبعينات إلى مرحلة حكم الرئيس الحمدي الذي نفذ إصلاحات سياسية ومؤسسية ومشاريع تنموية بثورة تصحيحية قادها مع رفاقه قبل أن تقف القوى المضادة للتغيير والمشروع المدني له بالمرصاد باغتياله وتصفيته لتعود الاضطرابات من جديد إلى المشهد السياسي اليمني حتى السنوات الأخيرة.
التحديات السابقة لا تزال حاضرة إلى اليوم وإن بدت بدرجات متفاوتة على المستويات (أمنياً واقتصادياً وسياسياً وعسكرياً)، إلا أن القوى الملكية تراجعت إلى مشروع سلالي أسري يسعى اليوم بالعودة باليمن إلى ما قبل 50 عاماً بدعوى المظلومية وبالحق الإلهي باستعباد الناس، وظهور مشروع عنف (مناطقي) قائم على أساس المناداة بفك الارتباط للتشويش على الحراك السلمي ومشروعية القضية الجنوبية وعدالتها والحراك السلمي الممثل لها، ومشروع نظام حكم أسري تم إسقاط الرأس ولا تزال بقايا الجسد متربعة على رؤوس بعض الأجهزة الأمنية والعسكرية وهناك تنسيق وتوافق كبير بين الثلاثة المشاريع بأهدافها وهي بالعودة إلى الماضي ورد عجلة التاريخ إلى الوراء و تحن إلى أيامها الخوالي بالسلطة ولا تملك النظرة للمستقبل ولا لرؤية عصرية للنهوض بالبلد وهذه المشاريع الثلاثة محكوم عليها بالفشل المسبق كون اليمنيين اليوم طووا صفحة الماضي وخرجوا اليوم للتعبير عن تطلعهم للمستقبل بثقة ولن تدور إلى العجلة إلى الخلف .
ثورة الشباب السلمية اليوم مثلت مساراً تصحيحياً جديداً وفرصة وحيدة لإنقاذ اليمن من المخاطر التي تحدق به بعد أن أوشك النظام الجمهوري على التحول لنظام ملكي أسري ووجود ترد اقتصادي وامني كبير، وشبه انفصال لشمال الشمال ودعوات لانفصال الجنوب وتململ الوسط.. هذا الواقع دفع بالشعب اليمني إلى أن يهب برجاله وشبابه ونسائه وأطفاله وأحزابه وقواه الاجتماعية في مشهد سلمي رائع وحضاري أعاد للشعب لحمته الوطنية وجسد الوحدة اليمنية بشكل أثار إعجاب العالم ينشدون دولة مدنية حديثة ونظاماً سياسي عادلاً ومنتخباً وديمقراطية حقيقية لتتعانق أهداف الثورتين السبتمبرية والشبابية السلمية مع ترجيح الأفضلية للثورة الشبابية بأهدافها كونها ذات طابع سلمي مدني شعبي مثلت الشعب بكل فئاته وأطيافه خلافاً للثورة السبتمبرية التي كانت أقرب إلى الطابع النخبوي.
هناك مميزات كثيرة أخرى تحسب للثورة الشبابية لم تسقط النظام بشكل جذري كما هو حال ليبيا وإنما بإصلاح المؤسسات والنظام من الداخل وتشابه كبير مع الثورتين التونسية والمصرية بخلع رأس النظام ومحاولة ترميم المؤسسات من الداخل لتأتي على إثرها ثورة المؤسسات لتطهيرها من الفساد كطابع استثنائي في الثورة اليمنية لإكمال أهداف التغيير التي انطلقت من الساحات والميادين إلا أنه في الفترة الأخيرة لوحظ خفوت وهج ثورات المؤسسات نتيجة خلطة التوافق السياسي التي تنتج تغييراً هجيناً وأثر على مسار إصلاح المؤسسات من الداخل وكلنا أمل أن تعود ثورة المؤسسات من جديد حتى تحقق أهداف التغيير الذي بدأتها.
أيضاً تتشابه ثورة المؤسسات المنطلقة على إثر الثورة الشبابية السلمية مع ثورة الرئيس الشهيد/الحمدي ورفاقه التصحيحية الذي قدم نموذجاً ناصعاً للحكم الرشيد بفترة وجيزة قبل أن تتمكن القوى المعيقة للتغيير من اغتيال آمال اليمنيين بتصفيته.
أمام هذا الواقع اليوم والتحديات والفرص الموجودة أيضاً كلها تمثل اختبار أمام الرئيس هادي وإرادته ولا نقول قدرته كونه قادراً على تخطي هذه العقبات وانجاز التحول السياسي المطلوب وتحقيق التغيير المنشود بعد أن أصبح مطلباً شعبياً وإقليمياً ودولياً، و بضرورة انتشال اليمن من وهدته كونه يشكل خطراً ببقائه في هذا الوضع ومثال ذلك تنامي الاهتمام الدولي وعقد مؤتمرين اقتصاديين بفترة متزامنة، كون مساعدة اليمن هو السبيل لتجاوز مخاطر انزلاقه للعنف وتهديده للإقليم والعالم بموقعه الاستراتيجي جوار اكبر مخزون نفط في العالم ووقوعه على ممر التجارة العالمية عبر بحر العرب والبحر الأحمر ومضيق باب المندب .
الفرصة اليوم مواتية أكثر من أي وقت مضى بين يدي الرئيس هادي لانجاز الانتقال السلمي للسلطة وتجاوز المرحلة الانتقالية وتأسيس نظام سياسي حديث وعقد مؤتمر الحوار الوطني مدعوما بامتلاكه شرعية شعبية حقيقية توجت في 21 فبراير 2012م بانتخابه رئيسا وبإجماع غير مسبوق من كل القوى السياسية ومن شباب الثورة والعلماء والقوى القبلية وبدعم إقليمي ودولي ومن مجلس الأمن بسلسلة قرارات تؤيد خطواته في فرصة لم تتوفر للشهيد الحمدي ولم تتوفر لأي رئيس من قبل ونحن على يقين بإيمان الرئيس بحجم الثقة التي يتمتع بها وبدا ذلك واضحا عند زيارته إلى المملكة العربية السعودية التي تزامنت مع تمرد بعض وحدات الحرس الجمهوري ومحاولة استغلال غياب الرئيس في اقتحام وزارة الدفاع وواصل زيارته دون أن يقطعها واستطاع الجيش رغم الانقسام ووزارة الدفاع التصدي للتمرد وإفشال الاقتحام الذي كان أشبه بمحاولة انقلاب كون الرئيس منتخب ويملك الشرعية ومن يقف ضده فهو ضد الشعب وضد إرادة المجتمع الدولي بأجمعه .
كل المؤشرات اليوم تصب في صالح الرئيس هادي بإنجاز الدور المطلوب منه وتحقيق التحول التاريخي الذي ينتظره اليمنيون وقدموا في سبيله المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى والمعتقلين وواجهوا الأزمات وصمدوا أمام التحديات مؤملين بانبثاق ميلاد جديد لليمن يليق بهم وبتطلعاتهم .
بدا واضحاً ـ خلال زيارة الرئيس هادي الأخيرة إلى بريطانيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة ـ حجم التأييد الدولي الذي يحظى به الرئيس الجديد القادم على إثر ثورة شعبية والمؤمل به العبور باليمن عبر المرحلة الانتقالية بسلام إلى المستقبل الذي ينشده اليمنيون .
أصبح اليوم الرئيس هادي باعتقادي ـ مدركاً تماماً مطالب الشعب الذي ينادي بها اليوم وبانتظار قرارات مصيرية بطي صفحة النظام الأسري وبقاياه من على جهاز الأمن المركزي والحرس الجمهوري والبدء بهيكلتهما على أسس علمية حديثة وبمعايير الكفاءة والوطنية وإعادتهما إلى قيادة الدفاع والداخلية.
الظروف اليوم مواتية لاستنساخ تجربة الشهيد الحمدي ليكمل الرئيس هادي ومعه الشعب وكل قواه الحية وهو ما أعلنه في خطابه في الأمم المتحدة بدعوته للشعب بالوقوف إلى جانبه للعبور إلى المستقبل الذي يليق باليمنيين، والبدء بإصلاح السجل الانتخابي وتصحيح اللجنة العليا للانتخابات ليذهب الناس إلى صناديق الاقتراع عام 2014م لاختيار قيادة جديدة بطريقة ديمقراطية صحيحة و نزيهة و شفافة ونحن على ثقة بقدرة الرئيس هادي على ذلك.
////////////////////////////////
يوسف الدعاس
هل سيمضي الرئيس هادي باليمنيين على خطى الحمدي ؟ 1630