;
جلال الوهبي
جلال الوهبي

الاستعمار الاقتصادي.. ألمانيا أنموذجاً!! 2653

2012-10-20 03:01:32


نعم لقد تغير العالم وتغيرت أساليب إدارته والسيطرة عليه، فلم تعد القوة العسكرية هي الوسيلة الأمثل للسيطرة على العالم ولفرض رؤى وأجندة القوة الاستعمارية عليه.. وللتطرق إلى هذا الاستعمار سأحاول مقاربة الموضوع من خلال النموذج الألماني الذي يعتبر الأكثر وضوحاً على المستوى العالمي، فالمعروف أن لألمانيا نزعة لسيادة أوروبا والسيطرة عليها، فبعدما اجتاح هتلر معظم أوروبا واضطر بعد سنوات من الحرب للانسحاب والانتحار وخرج بنتائج كارثية على ألمانيا وأوروبا والعالم تمثلت بملايين القتلى والجرحى وبدمار هائل وبألمانيا مقسمة إلى شطرين.. ها هي ألمانيا قد عادت ومن جديد للسيطرة على أوروبا بعدما نهضت من تحت التراب والأنقاض وتوحدت من جديد وكونت أكبر اقتصاد أوروبي وثالث أكبر اقتصاد عالمي إلى زمن غير بعيد تراجعت بعد نمو الصين إلى المركز الرابع خلف اليابان التي تنازلت عن المركز الثاني للصين وسعت جاهدة لتكوين ما يعرف بالإتحاد الأوروبي ومن ثم منطقة اليورو التي حققت من خلالها السيطرة الحقيقية على الدول المنضوية تحت عضوية العملة الأوروبية الموحدة اليورو بحكم أن ألمانيا هي الاقتصاد الأكبر والذي من خلاله استطاعت أن تمسك بزمام الأمور في منطقة اليورو وأن تخضع جميع دول المنطقة لمشيئتها، خصوصاً بعد الأزمة المالية العالمية التي ضربت أمريكا وأوروبا وجعلت الكثير من الدول على حافة الإفلاس، مما جعلها تسلم أمرها منقادة إلى الدول التي تعرض مساعدتها وبأي ثمن ولأن أمريكا وبريطانيا منشغلة بمعالجة أوضاعها للتعافي من أزمة الديون والركود الاقتصادي والأزمة المالية العالمية ولأن معظم الدول الأوروبية تطبق سياسة مالية واحدة بحكم أن العملة المستخدمة واحدة، فكان من الطبيعي أن تكون ألمانيا الاقتصاد الأكبر في منطقة اليورو، هي الدولة المعول عليها في إنقاذ تلك الاقتصاديات حفاظاً على العملة الموحدة وحفاظاً على مكانتها داخل هذه المنطقة والمجموعة ولأن تلك الدول بحاجة ماسة لمن ينقذها ولأن خياراتها محدودة فلم تجد بداً من الاستجابة لكل الإملاءات الألمانية ليتضح للجميع أن ما فشلت ألمانيا في الحصول عليه عسكرياً من إخضاع لأوروبا قبل أكثر من نصف قرن من الزمن هاهي ألمانيا تستطيع إنجازه من خلال الاقتصاد ومن خلال الإقراض وأن ما عجز عن تحقيقه هتلر، ها هي أنجيلا ميركل تستطيع إنجازه وبأقل التكاليف، بل ربما بدون تكاليف حقيقية .
لقد أثبتت ميركل أن ما عجزت ألمانيا عن تحقيقه في أربعينيات القرن الماضي من خلال القوة العسكرية ومن خلال الحرب تستطيع إنجازه من خلال المال وها هي ميركل تدير أوروبا من برلين تنقذ الدول المتعثرة بالإقراض وبالشروط التي تريدها وترسم السياسات الاقتصادية وغير الاقتصادية لبلدان منطقة ليورو المتعثرة والمترنحة وكأنها مقاطعات ألمانية تفرض ميزانيات تلك الدول وتجبرها على التقشف وتحدد لها اتجاهات وبرامج الإنفاق وتحد منها كيفما تريد وتقر برامج الإنقاذ وترفضها وتحكم على الدول المفلسة بما تريد وأصبحت زياراتها لتلك الدول المضطربة أهم الأحداث يرافقها في بعضها أكثر من ستة آلاف شرطي ألماني لتوفير الحماية لها كما حدث في أثينا عاصمة اليونان أكثر الدول تضرراً في منطقة اليورو، هذا عدا عشرات الآلاف من الشرطة اليونانية.. فماذا كان يطمح هتلر في تحقيقه أكثر من هذا؟.
ألمانيا لها نفوذ على المستوى العالمي من خلال القروض والمساعدات، لكن ليس بنفس النفوذ الموجود في منطقة اليورو بحكم الفارق بين حجم الإقراض والمساعدات ما بين منطقة اليورو وبقية العالم، فمن المعروف أن نسبة سيطرة الدول المانحة والمقرضة تتناسب تناسباً طردياً مع نسبة المساعدات والقروض التي تقدمها للدول المحتاجة، حتى أنه ومن خلال المساعدات والقروض يصبح أمر السلم والحرب وحتى الدفاع عن النفس بيد الدول الغنية المقرضة كما هو حاصل في منطقتنا العربية التي أصبحت ومن خلال المساعدات والقروض الأمريكية والغربية لا تستطيع أن تتخذ معظم قراراتها السيادية قبل الرجوع إلى أمريكا والغرب، فأي احتلال أقسى من هذا الاحتلال؟ وأي استعمار أشد منه فالاستعمار العسكري كانت الشعوب تستطيع الخروج عليه ومقاومته، أما هذا الاستعمار فلا مجال لمقاومته إلا بالتخلص من أدواته والتي لها علاقة مباشرة بالطعام والشراب والشعوب عندما تكون جائعة لا تفكر بالحرية ولا بالمقاومة.
jalalalwhby@gmail.com

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد