• إن انفصال جنوب السودان عن الدولة الأم في عملية ديمقراطية باستفتاء شعبي وسط اهتمام العالم كان أشبه بولادة قيصرية تهدف منها إنقاذ السودان الأم أو السودان الشمالي من كراهية وعدم رضا أميركا والدول الأوروبية وإسرائيل رغم أن العملية لم تكن برضا الناس أجمعين لكن كانت مرتبة منذ بداية المفاوضات في "نيفاشا"، حيث أجمع وتم الضغط على نظام البشير بأن يتم الاستفتاء بعد ست سنوات!! ستة أعوام في عمر الشعوب كأنها ستة أشهر، عمل خلالها الأوروبيون ـ بقيادة الولايات المتحدة ـ المستحيل للتعبئة من أجل الانفصال وكان لهم ما أرادوا.
• كنت أراقب عن كثب ما آلت إليه الأمور في السودان الكبير، كيف قبل نظام البشير بحق تقرير المصير وبالانفصال وهو بلد واحد لم تفكر أي حكومة سبقت البشير بأن تعطي الحق في فصل الجنوب عن الشمال؟ كنت وعدد من المراقبين نقول بأنه من المستحيل أن يحدث هذا لكن في السياسة لا شيء مستحيل على ما يبدو.
• كانت دوافع نظام البشير منطقية وكلام رجال ذاك الذي تم الاتفاق عليه وكأن أميركا وصاحباتها تعرف كلام الرجال وعدم نكث العهود!! كان بإمكان البشير اختلاق أي مشكلة وعرقلة الاستفتاء أو تأجيله حتى لا ينفصل السودان الكبير.. لكن الضغوطات كانت كبيرة والتهديدات أكبر وعصا المحكمة فوق رأس البشير وموضوع دارفور والشرق وملفات كثيرة كلها تنذر بالكارثة.. أعطى الجنوب استقلالاً بقوة أميركا وإسرائيل وغصباً عن الجميع رغم ما قيل في هذا الخصوص.
كل ذلك ما غير من موقف أميركا وحليفاتها تجاه نظام البشير شيء ولم يشكروه بهذه الخطوة الديمقراطية أو يذكروه بالخير.. هذا رأيهم.
• إن النظام الإسلامي في السودان هو الهدف، تغييره، إسقاطه، وقد اجتهدوا منذ السنة الأولى لقيامه ومازالوا، لكن هناك ما يحول دون إسقاط نظام، حول السودان إلى بلد منتج زراعياً صناعياً حركة عجلة الحياة والرغبة في التطور وأخيراً ولج إلى التصنيع الحربي وهذا ما لا تحتمله أميركا وحليفاتها.. فهم يمنعون عن السودان السلاح ويقطعون الطريق أمام تصنيعه المحلي! أليس من الظلم هذا؟ ما هذا الاستبداد والتسلط؟ لماذا تعطي الولايات المتحدة نفسها الحق في النيل من حرية الشعوب والأوطان؟ لماذا "تتفرعن" و"تتعنتر" على العالم العربي.؟
• مؤخراً قامت طائرات إسرائيلية بضرب مصنع اليرموك بوسط السودان وهو مجمع صناعي للقوات المسلحة يوفر لها بعض الأسلحة التي يحتاجها.. تخيلوا مدى الوقاحة الإسرائيلية تتعدى سيادة السودان وتضرب المصنع وتعود كأنها لم تفعل شيئاً!!
• إن إسرائيل أهديت وطناً آخر هو جنوب السودان وكان خطأ فادحاً في تاريخ السياسة السودانية، فأول دولة رفعت علمها في سماء السودان الجديد هو إسرائيل وبدأت في توطين نفسها وتنفيذ استراتيجيتها في إضعاف السودان الأم وتقسيمه إلى دويلات وإسقاط النظام الإسلامي الذي يعتبر من وجهة نظرهم متشدداً وغير مرغوب فيه.
• إن نظاماً كهذا صبغ السودان بصبغة إسلامية ـ صوفية مع التمسك بالعادات والتقاليد إلى جانب إحياء الروح القتالية والثورية وإذكاء القيم النبيلة كالشجاعة، والصبر، والإقدام، والكرم، وتحمل المسؤولية، والذود عن العرض والوطن و...إلخ. كل ذلك ساهم في تغلغل النظام وتمكنه إلى جانب الخطاب السياسي المرتبط بالهم العام والخاص والحياة اليومية. نظام كهذا صعب إسقاطه بالوسائل التي تستخدمها أميركا وحليفاتها فالعقوبات السياسية تزيده إصراراً على التوجه شرقاً نحو آسيا وجنوباً نحو أفريقيا، والعقوبات الاقتصادية جعلته ينتج ويكتفي بل ويصدر والضربات العسكرية الخاطفة لها حسابات سودانية قد لا تعرفها إسرائيل.
• إن خوض معارك عسكرية مع الجنوب الدولة الوليدة لا يجدي لأنك ستواجه إسرائيل وأميركا وكل الحلفاء وهنا يغيب التكافؤ في القوى، لكن وكما قال أحد الخبراء العسكريين لابد من وضع إستراتيجية سياسية لمصالح السودان الكبرى وأولوياته مما يجعله أي السودان بلداً له وزن سياسي وتأثير كبير في المنطقة والعالم.
محاسن الحواتي
أن تهدى إسرائيل وطناً!! 2002