ليس المقصود بالمساواة هنا التساوي المطلق، وإلا لمضى المجتمع كله على وتيرة واحدة، فالإسلام يقر بالتساوي أمام حكم الشرع، ومع ذلك يقر بالتفاوت بين الناس كل بحسب طاقته وقدراته، فلكل فرد قدراته واستعداداته الخاصة.
وتكافؤ الفرص مبدأ ينبثق من واقعية الإسلام، فلكي تستمر الحياة لابد فيها من التنوع والاختلاف، وهذا يتطلب العناية بالموهوبين، وأصحاب القدرات، ومن المعروف في العمل تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، مبادئ أساسية يجب ألا تتخلى عنها أي مؤسسة، حيث الالتزام بهذه المبادئ يؤدي إلى الارتقاء في العمل وفرصة للفرد أن يجرّب حظه ويحصل على فرصته في إثبات ذاته وتحقيق جزء من تطلعاته.
إلا أنه مع شديد الأسف هذه المبادئ إما أن تكون غائبة من خريطة الذهنية لبعض أصحاب القرار، وإما أنهم يستخدمونها فقط مع فئات معينة محظوظة.
وفي الحقيقة إن عدم تطبيق مبدأ المساواة ومبدأ تكافؤ الفرص يبرز مشكلات عديدة، من أهمها موت ودفن القدرات والطاقات الإبداعية، التي إن أعطيت لها الفرصة سنجد التغيير والتطوير الحقيقي.
لقد بات واضحاً أن تقلّد بعض المناصب والمراكز يخضع لسياسات معينة واعتبارات خاصة بعيدة كل البعد عن الموضوعية، وأصبحت الانتقائية، والحظوظ الاجتماعية العالية والحسابات النفعية هي المعايير الأساسية في الاختيار والتعيين.
إن التخطيط واحتكار بعض المراكز والمناصب لأفراد معينين معروفين مسبقاً، خلق حالة من القلق، وشعوراً بالإحباط لدى الكثير من الأفراد، لاسيما أن هذا السلوك في حالة من التزايد الكمي والنوعي.. وهناك من يقول، وربما في كلامه الكثير من الصحة، إن مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص شعار يُرفَع وادعاء يُدعى، وهو بعيد كل البعد عن الواقع.
إن أغلب أصحاب القرار عليهم أن يعلموا تماماً أن مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص له العديد من الإيجابيات على المجتمع والفرد بشكل سواء، من أهمهما:
ــ تضييق الاتساع بين أبناء الوطن الواحد، وإلغاء الفروقات المصطنعة بينهم.
ــ إتاحة الإمكانات للجميع، وتيسير الوصول إليها من دون استثناء.
ــ بناء قدرات وتوظيف طاقات أبناء الوطن بشكل إيجابي.
ــ تطبيق مفهوم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ــ تعزيز الولاء والانتماء للمؤسسة بشكل خاص، والوطن بشكل عام.
إن مؤسسات مجتمعنا بحاجة إلى مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص اليوم أكثر من أي وقت مضى، بحاجة لأن يكون هذا المبدأ أمراً واقعياً عملياً، لا أمراً وهمياً نظرياً، بحاجة إلى التغيير والتطوير لا بحاجة إلى التدوير ولعبة الكراسي الموسيقية المحصورة على عدد معين من الأفراد أصحاب الحظوظ السعيدة، والراضين عنهم، أو تغيير الوجوه..
إن مؤسسات مجتمعنا بحاجة إلى مسؤولين، وأصحاب قرار، يحبون هذا الوطن ويعملون من أجل الرقي به، بالفعل لا بالقول والخطابات الزائفة.
رائد محمد سيف
المساواة وتكافؤ الفرص 1856