تهدف عمليات الإصلاح إلى إدخال تغييرات أساسية في كافة أنظمة المؤسسات بما تكفل تحسين مستويات الأداء ورفع كفاءة النظم ، فكل الشعارات التي رفعت طوال السنتين الماضيتين ولا زالت ترفع ليل نهار عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وبشتى أساليب التعبير التي أصابت المواطنين بالصداع, هذه الشعارات جميعها تتحدث عن الإصلاح ليل نهار، ولكن لم يتبين منها غير الضجيج الإعلامي الخالي من المحتوى والبهرجة الخطابية الخالية من المصداقية وكل من يقول غير هذا هو إما أن يكون مسكيناً بسيط التفكير وإما أن يكون إنساناً عادياً سهل الانقياد، تجره حملات التضليل حيثما تشاء وإما أن يكون صاحب ذكاء منحرف.
إن أول درجة في سلم الإصلاح هي اجتثاث الفساد وذلك يتم من خلال تفكيك منظومته الأخطبوطية التي امتدت إلى كل مناحي الحياة السياسية والمالية والإدارية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية.. والأخطر من كل هذا أنها تسربت إلى أعماق النفس الإنسانية فأصابتها بالتلف ولوثتها بالانحراف وسلبت منها كل معاني الفضيلة والإيثار وطمست بصيرتها حتى ما عادت تفرق بين الحق والباطل, بين الغث والسمين وبين المعروف والمنكر, فتعطلت البوصلة وتاهت النفوس وتاه المجتمع .
أين الإصلاح وماكينة الفساد لم تتوقف عن طحننا ولو للحظة واحدة ونحن نعيش ما أسموه الربيع العربي ومراكز القوى الفاسدة تتصرف الآن، كما يحلو لها دونما خوف أو حياء, تتصرف بكل العنجهية والاستعلاء ضاربة عرض الحائط مصالح الشعب ومصير الوطن والدولة بالكامل؟! وإلا كيف لنا أن نرى الوظائف العليا تتركز في غالبيتها في أفراد ينتمون إلى محافظات معينة بعينها دون غيرها وفي عائلات بعينها دون غيرها، وكأنهم هم فقط أبناء السيدة وبقية أفراد الشعب هم أبناء الجارية.. كيف لنا أن نصدق بأن هناك إصلاحاً أو حتى مجرد مشروع للإصلاح يلوح في الأفق ونحن نرى المتنفذين وقد تسلموا الوظائف العليا والمؤسسات والدوائر الحكومية وسلموها بشكل شبه كامل للأقارب والأصهار والأنساب أمام أعين وسمع منظومة الأمن الوطني وأمام ناظري الشعب المغلوب على أمره؟!.
كيف لنا أن نصدق الوعود بالإصلاح ونحن نرى سرطان المحاصصة وقد استشرى في القطاعين العام والخاص وصارت الوظائف توزع على الهوية منطقياً وإقليمياً وضاعت قدسية المواطنة؟ أي وطن هذا الذي نعيش فيه ومن المفترض أن نضحي بالغالي والنفيس دفاعاً عنه؟!.
نحن نرى ونسمع ونفهم ما جرى ويجري عندنا وفي دول الربيع العربي, فهل إراقة الدماء ونشر الفوضى والدمار والاقتتال هي الوسائل التي لا بديل عنها للأنظمة حتى ترعوي وتعود إلى رشدها أم ماذا؟.
لقد سرق الفاسدون أموال الدولة ومقدراتها ولا زالت اليمن تعاني من تراكم المديونية، بينما الفاسدون ينعمون بأموال وأقوات هذا الشعب دون محاسبة ولا عقاب، فمتى يتم معاقبة هؤلاء العابثين بثروات الوطن؟ متى نشعر بأن هناك إصلاحاً حقيقياً وفعلياً؟.
إن الحاجة إلى الإصلاح لا تنتهي أبداً وإنما هي عملية ديناميكية مستمرة ولا تعني الحاجة إلى الإصلاح أن هناك حالات مرضية تستوجب العلاج وإنما تبقى الحاجة إلى التطوير باقية بقاء المنظمة ككل.
رائد محمد سيف
الإصلاح بالفعل لا بالقول!! 2018