× كان محافظاً لحضرموت في أواخر التسعينات، لا أذكر كم مكث في هذا المنصب.. هذا الرجل ذو السيرة العطرة، هادئ ويعمل بدون ضجيج حتى عندما كانت تسلط عليه الأضواء كان كثيراً ما يتجنبها ويفضل العمل بلا توقف.. أحبه الحضارم كثيراً حتى إنهم يستحون منه ويقدرونه لدرجة أنهم لا يقومون بمسيرات ضد الحكومة إلا عندما يسافر إلى صنعاء، أذكر أننا كنا في حضرموت في العام 1997م، وكانت الكهرباء تقطع لساعات طويلة وصيف المكلا لا يوصف.. سافر الأستاذ/ صالح عباد الخولاني إلى صنعاء ليبحث مع الوزارات المختصة قضايا المحافظة.. خرج أهالي المكلا بالشموع بجوبون الشوارع مطالبين بالكهرباء.. سألناهم: لماذا لا تحتجون لدى المحافظ الخولاني؟ قال بعضهم: "الرجل طيب وصادق معنا، يحمل هم المحافظة ومشاكلها لكن وزارة الكهرباء غير متعاونة والحكومة بكلها غير متعاونة!".. بهذا المعنى يتحدثون عن صالح عباد الخولاني الذي كان يعمل ليل نهار من أجل المحافظة.. ونفاجأ بأنه تغير في نفس الفترة، "ليركن" في مجلس الشورى.. كانت سياسة غير ناجحة تلك التي اتبعت في وقت مضى عندما يكون الشخص متميزاً في عمله وبدأ كسب ثقة الآخرين واسمه صار له صدى بين الناس، يعفى من منصبه ويحلق بالقاعدين.. سياسة عطلت كثيراً من الكفاءات والقدرات، بل وعرقلت الطموحات وارجعت البلاد إلى الوراء، حيث لم يعد للناس ثقة بالسلطة ولم تعد هي تثق في نفسها ولا في قادتها من الإداريين والعسكريين، لذلك فقدت البلاد عقولها وكفاءاتها النيرة.. هجرتها أو بإحباطها وتعطيلها.. صالح عباد كان نموذجاً وهناك نماذج أخرى كثيرة في طول البلاد وعرضها.
× الإشكالية هي أن التعيين في وقت سابق لم يكن قائماً على الكفاءة والنزاهة، بل كان يبنى على العلاقات والولاءات، حيث لا مكانة للتعليم والمهارة.. فالأنظمة هي التي تكرس مبدأ من لم يكن معنا فهو ضدنا، حتى تقزمت معظم الكفاءات الإدارية والعلمية من الحرب النفسية والإدارية وغيرها من أشكال التضييق.
× للأسف مازال البعض يعيش بعقلية الولاءات! إن كان ذلك ضرورة فلا يطبق في المؤسسة الحكومية، لأنها ملك للشعب كله ولا يحق لأحد أن يحتكرها، كأن أقاربه من كل فروع الوزارة أو المؤسسة أو يرسل بهم إلى الخارج للعمل أو يخصص لهم امتيازات بعينها أو....الخ من أشكال الفساد، لأن الشعب حينها قد يثور ثانية ويطالب بمحاسبة الفاسدين الذين مازالوا يعبثون بمقدرات الوطن وبحق الشعب..
× أملنا في القيادة السياسية والحكومة ألا يجاملوا في حق الشعب وفي حق الوطن ومن سبق فساده ارحمونا منه والثورة تطهر الفاسدين ولا تجب ما قبلها، لأن الشعب "اكتوى من فسادهم ومازالت آثاره باقية.. أعيدوا الثقة في الحكومة ومؤسساتها وغيروا الصورة النمطية للسلطة التي ترسخت في ذهنية الشعب.
محاسن الحواتي
رجل لا يحب الضجيج.. 1792