× عندما دخلت القوات الأميركية إلى العراق في العام 2003م ساندتها قوات إسرائيلية وهذا أمر متوقع، فهي قوة موجودة في منطقة الشرق الأوسط ووفق اتفاقيات التعاون بين أميركا وإسرائيل يكون من الطبيعي أن تهرع بعض القوات الإسرائيلية إلى العراق، للمساندة في إزاحة القائد صدام حسين وكان لهم ما هدفوا إليه.. رحم الله صدام الثائر المغدور به وأنقذ الله العراق من أبنائه العافين وأعداءه أيضاً.. القوات الغازية حرصت على أخذ كثير من الآثار العراقية والكل يعرف تاريخ العراق العريق، أخذت كثيراً من القطع إلى خارج العراق.. والشعب لم يكن أمامه إلا الاختباء في الملاجئ خوف الضربات العسكرية، فمن أجل إزاحة صدام نهب العراق وقهر إنسانه واستبيحت كرامته ومازال العراق بلا ملامح.. حلم بالحرية ولم يجد إلا الذل والشتات.
× إن الآثار هي سجل التاريخ الإنساني وتوثيق لمسيرة الخلود والإنسانية في بقعة ما لشعب أو جماعة بعينها، هي ثروة الأمة وينبغي أن يحافظ عليها ونعض عليها بالنواجذ وحبذا لو يكن هناك برنامج توعوي لكل الفئات بأهمية الآثار وضرورة الحفاظ عليها والتبليغ عن حالات بيع أو شراء آثار أو تهريبها أو تدميرها، خاصة وأن هناك جماعات متشددة، وعيها بالآثار متدنٍ جداً وبالتالي هي تدمر كل ما هو مجسم قديم أو حديث، تغلف ذلك بأحاديث دينية أو أقول مأثورة أو غيرها من المفاهيم التدميرية، خاصة وأن أطفالنا يفرحون بزيارة المتاحف ليهربوا من حصص الرياضيات والانجليزي ومن الواجبات المدرسية الكثيرة والمملة..
الوعي وتنميته ضرورة وطنية، إنسانية، لأنها، أي الآثار، هي ذاكرة هذه الأمة ودعوني أشير إلى أن إسرائيل اشترت مؤخراً وثائق أفغانية قديمة تؤيد أو تؤكد وجود اليهود في أفغانستان منذ قديم الزمان وقد سبق وأن أشرنا ذات مرة وفي صحيفة"8 مارس" إلى أن إسرائيل تدعي يهودية قبائل "البشتون" المقاتلة في أفغانستان وكل الأمور تصب في إطار أن اليهود كانوا هناك وهم أصحاب الأرض وفق ما يجمعون من وثائق أثرية قديمة.. ما علينا أهم شيء آثارنا نحن أين هي؟.
× قرأت عنواناً "صحفياً" أقلقني كثيراً، يقول: " هيئة الآثار لا تملك إحصائية بعدد القطع الأثرية في المتاحف"، بمعنى عدم وجود المال وغياب الإدارة وضعف الوعي وعدم المسؤولية، كلها تجمعت وساهمت في إهمال آثارنا.. إنها مصيبة كبرى.. في ظل صمت المعنيين ترى لمن نصرخ ونوجه بالإسراع في صون تاريخنا وآثارنا؟ ألا يكفي ما يحدث من مسخ لحاضرنا وماضينا القريب وتشويه له بعمد؟ فمن يسمع صرخة الاستغاثة هذه؟.
× قبل خمس أعوام اتصلت بهيئة الآثار وقلت لهم هناك من يقومون بالمتاجرة في الآثار في منطقة كذا وهي آثار أخذت من محافظة كذا بواسطة الحارس الخاص بالمتحف.. لم أفكر يومها إلا في التبليغ حتى يتم منع ذلك والحفاظ على ما تبقى من آثار خاصة وأنه لا يوجد إحصاء بهذه الآثار.. تصوروا يرد علي أحدهم من مكتب رئيس الهيئة ويقول لي: "لا يوجد تهريب آثار في هذه المحافظة وقد تكون الآثار المباعة آثاراً مزيفة" كدت، أموت من الغضب.. فقط أيقنت أن هناك فساداً كبيراً أكبر مني ومنك ومن كل النوايا الحسنة وزواله ليس سهلاً أبداً.. أبداً.. أبداً.
× رأيتم كيف كان أحد المخرجين المصريين يصرخ أثناء فورة الثورة المصرية "حافظوا على آثارنا.. على المصريين أن يمنعوا أي اختراق للمتحف المصري، إنها ثروة مصر، تاريخها.. تحركوا لحماية آثار مصر من العبث".. كان يصرخ عبر قناة الجزيرة والعربية، المهم أنقذوا آثار مصر.. إنه شعور نبيل وخوف مشروع على تاريخ أمة لها عمقها في التاريخ الإنساني..
× لتهيئة المتاحف اليمنية وحصر الآثار أشركوا أطفال المدارس بالمساهمة بمصروف يوم واشرحوا لهم العمليات التي ستتم بمصاريفهم القليلة وأشركوهم في بعض الأعمال.. فهذه آثار تخصهم، لهم، لمستقبلهم، ثروتهم القومية في السجل الإنساني.. هذا المقترح مجاني للحكومة والجهات المعنية.. أرى أنه عملي وبسيط وسوف يخفف على الحكومة الإحراجات، لأنها حكومة فقر، كل البنود لا تسمح، وتهيئة المتاحف وحصر الآثار مسألة ترفية لا داعي لها.
محاسن الحواتي
آثارنا في مهب الريح 1730