عندما كنت في دورة ولمدة ستة أشهر مع منظمة الهجرة الدولية في القاهرة كنت في "زنقة" ضيقة كله بالانجليزي والدوام من الثامنة صباحاً حتى الخامسة مساءً, مطلوب عمل يومي, اجتهاد, حفظ, إبتكار, يعني شغل لم أقم به منذ عرفت العمل.. انشغال واصل أضف إلى ذلك أنني لا أتحدث العربية إلا مساء وعليّ التعامل مع الإنترنت والاطلاع على الرسائل التي ترد كالمطر إلى بريدي وكنت أتهرب بعبارتين "لكم الشكر, أنه عمل عظيم ولا ملاحظات عليه" أي "no comments".. وكنت أخاف من التقارير حول الهجرة أو المشكلات الخاصة بتنقل البشر التقارير الطويلة.. تعني قراءة وفهم وتعليق..
المهم أنقذتني عبارة (no comments).. كثيراً وهذا ليس حلاً لكن هروب ولو بصفة مؤقتة, فأنا أمام مهام إجبارية لابد من القيام بها. ذكرت هذه الدورة وكيف تعاملت معها وكل الخبراء كانوا أجانب يحاولون إعطاءك كل المعلومات فقط عليك أن تبذل جهداً لتفهم وتعرف حتى تفيد بلدك .. هو الوضع الحالي لحكومتنا الوفاقية التي لم تقم خطتها لاستيعاب المنح المعلنة من مجتمع المانحين حتى الآن, فهناك "8 مليارات للعملية الانتقالية", فوزير الدولة البريطاني لشئون التنمية الدولية "آلات دنكان" مستاء من عدم تقديم حكومة الوفاق لمقترحات مشاريع. يعني "عاملين" كمحاسن الحواتي في الدورة التدريبية المذكورة (no comments).. أي لا ملاحظات, لا مقترحات, لا إضافات, لا شيء كله تمام.. أنا تعلمت وبإشادة المنظمة واعتمادها عليّ في بعض أعمالها في صنعاء والفلبين.. لكن حكومتنا الرشيدة مازالت تفكر في أين المقترحات؟, فهل يعقل أن هذه البلاد بلا عقول بلا خبراء استراتيجيات, خبراء مشاريع, خبراء اقتصاد, خبراء.. إلخ.. هل الحكومة في جهازها المتضخم ليس لديها خبراء؟ إذا لم يكن لديها خبراء ينبغي أن تبحث عن الخبراء اليمنيين في الداخل والخارج وتكوين فريق عمل مستقل يتبع رئاسة الوزراء يقوم هذا الفريق بإعداد مشاريع هامة وضرورية في القطاعات المختلفة وتقديمها للمانحين وبصورة عاجلة, هذا مقترح للحكومة أتمنى أن يفكر فيها جيدا,ً خاصة وأن هناك عقولاً يمنية مهاجرة تعمل في الجامعات ومراكز الأبحاث وفي المؤسسات الدولية.. وبالمناسبة وزارة المغتربين لديها بيانات بعدد كبير للكفاءات اليمنية بالخارج يمكن أن تساهم في ولادة مقترحات الحكومة التي ينتظرها المانحون.
إن كل مسؤول يعرف جيداً ما يحتاجه مجاله, ففي الزراعة مثلاً إنشاء مشروع زراعي ضخم لاستيعاب العمالة في الحديدة مثلاً أو أبين, في الصناعة, مثلاً إنشاء مشروع لمصانع تعليب الخضر والفاكهة بدلاً من إرسالها للملكة العربية السعودية أو تعريضها للتلف لسوء التخزين أو ترحيلها براً.. إلخ.. في مجال التدريب المهني إنشاء مراكز تدريب للنساء وإدخال مجالات تدريب جديدة تحتاجها أسواق العمل الداخلية والخارجية وإنشاء مراكز في المدن الرئيسية والثانوية والقرى لو استدعت الحاجة.. في مجال التربية والتعليم وضع مشروعات لضمان التعليم المجاني والإجباري وفتح فصول محو أمية في كل قرية ومديرية وتأسيس معاهد بتخصصات خاصة بسوق العمل..
في مجال الصحة كم يا مشروعات يحتاجها اليمنيون وأولها خدمة التأمين الصحي وتوطين العلاج ومكافحة الأوبئة والسرطانات.. في مجال الكهرباء وهنا الطاقة الكبرى معرفة من وراء تخريب الكهرباء ومحاكمتهم في محاكم عاجلة ليكونوا عبرة لمن يعتبر ومد الوطن بالضوء حتى يرى الناس التحول الذي ستحدثه هذه المشروعات التي أنجزتها لوحدي بدون حكومة وبدون لجنة..
فهل يا قارئ العزيز صعب علينا أن نصنع مشروعات ونرفقها بدراسات الجدوى وما يلزم؟.. إن إدارة الفساد وتوظيفه في شكل مشروعات وهمية تعود بالميارات للمتنفذين وأعوانهم, كان عملاً عقلياً مدروساً جيداً وناجحاً, فكيف يعجز الشرفاء والمتعلمون عن وضع مقترحات لمشروعات حقيقية لصالح الناس والبلد كيف؟
محاسن الحواتي
مافيش مقترحات!؟ 1476