sraeed@gmail.com
هو الذي ذمه الله سبحانه وتعالى: (يا أيُها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون. كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)..
فلا يمكن القول بوجود شيء وعدم وجوده في وقت واحد وبمعنى واحد، ولا يمكن أن تجتمع صفتان متناقضتان في شيء واحد، ولا يمكن أن يكون قول ما صادقاً وكاذباً معاً.. فمن غرائب الأمور التي يشهدها مجتمعنا تلك الصور الصارخة من التناقضات، حيث نجد الشيء ونقيضه في الشخص الواحد وفي مدّة قصيرة قد لا تتعدّى بضع ساعات، فمن الناس من يخرج إلى الشوارع والساحات ووسائل الإعلام منادياً بالإصلاح ومحاربة الفساد والمفسدين وتحقيق العدالة، وبعد أن يعود إلى منزله يبدأ اتّصالاته وجهوده لدى هذا المسؤول أو ذاك لتعيين شخص أو ترفيع آخر أو تحقيق مكسب لثالث تجاوزاً للقوانين والأسس المعمول بها، وربّما يكون هو نفسه الذي يتّهم ابن قبيلته أو قريته أو محافظته الذي لم يلطّخ يده بفساد الوساطات، بأنّه لم يخدم أبناء تلك القبيلة أو القرية أو المحافظة.
كثير من الناس عندنا يدعون بحرارة إلى محاربة الفساد لكنهم في الوقت نفسه لا يتوقفون عن تكريس ثقافة الفساد، ويقال الأمر ذاته عن بعض السياسيين، إذ نجدهم على شاشات الفضائيات وأمواج الإذاعات يندّدون بالفساد والفاسدين والمفسدين وينادون باقتلاع جذور الفساد ومحاكمة اللصوص وغيرهم من المحابين والمرتشين وأهل الوساطة والمصالح المتبادلة، لكننا نجدهم بعد ذلك لا يكفّون عن استخدام وسائل الإعلام المختلفة لابتزاز المسؤولين لتحقيق مكاسب لهم ولأصدقائهم وأقاربهم.
ومثل هؤلاء أيضاً بعض نوّاب الشعب الذين تجدهم تحت قبّة مجلس النواب ذوي ألسنة حداد ضدّ كلّ من دارت حوله شبهة فساد أو استغلال للسلطة والمسؤولية، وما إن تنتهي جلسة المجلس حتى يتعلّق كلّ واحد منهم بأحد الوزراء ويسلّمه دستة من استدعاءات التوسّط للتعيين أو النقل أو الترفيع دون وجه حقّ، وفي الأيّام التي لا تنعقد فيها جلسات مجلس النواب نجد هؤلاء النوّاب يطرقون أبواب المسؤولين في الوزارات والدوائر المختلفة للتوسّط عندهم في كثير من المطالب والضغط عليهم لتجاوز الأنظمة والقوانين المعمول بها.
إنّه تناقضٌ صارخٌ لا تفسير له, إلاّ أنّ مجتمعنا بشرائحه المختلفة يتجاذبه أمران أحلاهما مرُّ, هما الرغبة في الإصلاح مع ضرورة أن يواكب هذه الرغبة التخلّي عن أهمّ مدخل من مداخل الفساد وهو ثقافة الواسطة، أو عدم التقدّم في مسيرة الإصلاح والإبقاء على الفساد والواسطة وعدم التخلّي عن خدمة أبناء القبيلة والقرية والمنطقة والمحافظة بالحق والباطل!.
إنّ تغيير الأشخاص في مجالس الوزراء والشورى والنوّاب وسائر المواقع القيادية المختلفة لا يكفي لتحقيق الإصلاح، ولا بدّ من أجل نجاح الإصلاح أن يتخلّى المجتمع عن ثقافة الواسطة والتدخّل وممارسة الضغوط على المسؤول وابتزازه، وأن يتخلّى المجتمع عن المعايير السائدة للحكم على أيّ مسؤول والتي تدور أكثرها حول مدى خدمته لأبناء قبيلته وقريته ومحافظته خارج الأطر القانونية والتشريعية المعمول بها.
صحيح أنّ الإصلاح ومحاربة الفساد يحتاجان إلى قرارات سياسية، لكنهما أيضاً يحتاجان من أجل تحقيقهما إلى تغيير في ثقافة المجتمع وعاداته السلبيّة، والاحتكام إلى الأنظمة والقوانين والتشريعات.
إنّ ممارسة الفضائل في الحياة، وجعل القيم والمثل ميزاناً لمعايير السلوك والأخلاق من الأمور الهامة في إزالة التناقض، كما أنّ التزام وسائل التوجيه في البيت والمدرسة والمجتمع ووسائل الإعلام بالربط بين الأقوال والأفعال، والحقائق والواقع، أمر مهم في إزالة التناقض.. إنّ أجواء الحرية في الرأي والفكر، والحرية في الإرادة والاختيار، والحرية في الرفض والقبول، والحرية في مواجهة الأخطاء والتصدي لها، والانحرافات ومعاقبتها؛ من الأمور الهامة في إزالة التناقض.
رائد محمد سيف
التناقض بين القول والفعل 2072