تحل علينا الذكرى العطرة والثانية لقيام ثورة الشباب السلمية في وقت يمر به الوطن بمحك حساس بالغ الدقة، وغاية في التعقيد، نظراً لما استجد على الساحة من تطورات جعلت الوطن على صفيح ساخن من التجاذبات..
ومهما يكن الذي يحدث يبقى بريق هذه الثورة المباركة التي أسست المداميك الصلبة لمجتمع مدني وإن كان ما زال يحبو إلى أنه ومع مرور الزمن ستتصلب أرضيته شاء من شاء وأبى من أبى لأن الله لن يضيع اجر من قاموا بهذه الثورة صادقين وقدموا من أجلها الغلي والرخيص والنفس والنفيس لا لشيء إلا لأنهم آمنوا بالتغيير كسلاح ناجع لانتشال الوطن من الأوحال التي كان غارقا فيها جعلت منه كائنا محشور في زوايا الضياع والتيه والتخلف.
إن الحديث عن 11 فبراير حديث ذو شجون, لأنه حديث عن الانطلاقة الأولى للشباب نحو الحرية والكرامة، التي مثلت لنا الرمز والفخر للمساواة والعدل، و كانت بزوغ فجر جديد فيه شق اليمانيون مسيرتهم ماضون إلى تحقيق أهداف نشدها الشعب نحو يمن جديد ينعم بالخير والعطاء ويسوده النظام والقانون، شمس 11فبراير كانت إشراقة بهية، وصباحاً نيراً ليمن سعيد، اليمن ستنعم بالخير والعطاء بإذن الله بفضل هذا اليوم الكبير الذي أنطلق فيه الشباب نحو الأفق الثوري ليصرخوا في وجه الظلم والفساد ليصرخوا (إرحل) والشعب يريد إسقاط النظام..
وستثبت الأيام القادمة أن الثورة ستظل روحها تبعث النقاء والصفاء لهذا البلد الطيب، يوم انطلقت منه سيمفونية الحب والإخلاص لهذا الوطن الكبير، الوطن الذي حلم أهله أن يعيشوا فيه بأمن وسلام، ينعم الجميع فيه بالخير والعطاء،والشعب يستحق ذلك لأنه قام بهذه الثورة التي مثلت شرارة انطلاقتها يوما للحرية والكرامة،فلقد كتب في هذه التاريخ صحوة الشعب اليمني ورفضه الذل والخنوع والاستبداد، انتقل فيه اليمنيون من حكم الفرد والأسرة، خرج حل واحد من أجل أن يقول: أنا يمني أريد الحياة كريمةً، يوم أعلن فيه الحكم للدستور والقانون، وتوطيد العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع، يوم سيبقى في خالدة التاريخ وسيكون قلادة نصر على صدورنا، ففيه أوقفنا زحف الظلم وتفشي الفساد، ورحبنا بالعدل والنور والمساواة، يوم غالٍ علينا وغالٍ على هذا البلد الحبيب.
وحديثنا اليوم عن الذكرى الأولى للثورة لن يكون مجرد حديث عابر، بل حتى الفرح المتجسد على شفاه الثائرين في ساحات الثورة لن يمر مرور الكرام، بل سيكون حديثاً للتاريخ وفرحاً يعقبه عمل لبناء اليمن الجديد الذي ضحى من أجله الشهداء..
في ذكرى 11فبراير دعني أخي القارئ أن أتحدث عن النور الذي بزغ على اليمنيين، فهو اليوم المشهود الذي انتظره اليمنيون بفارغ الصبر للتخلص من براثن الفساد الذي نشبت أظافره في كل مكان من جسد اليمن، الأمر الذي جعلنا مهزلة عند كل الدول الأخرى، لذا فإنه سيظل يوماً منقوشاً في ذاكرة اليمينين كونه يمثل انطلاقة لهذا الشعب نحو التغيير الحقيقي الذي كان يجيش في خاطره ولم يجد من يستثيره أو يخرجه من قعره، لقد أعاد هذا اليوم الثوري لليمنيين هيبتهم وقدراً كبيرا من تاريخيهم وتراثهم الرائع الذي عرف به وكل ذلك بفضل ثورته التي قامت في مثل هذا اليوم من العام الماضي، وإذا كانت ثورتي 26سبتمبر و14اكتوبر قد مثلتا لليمنيين تاريخاً مشرقاً في التخلص من الظلم والاستعمار جنا ثماره الجبناء، فإن ثورة 11من فبراير قامت استكمالاً لهاتين الثورتين لإزالة هذه الأصنام المحنطة التي عفا عليها الزمن حتى لم تعد قادرة على شيء إلا من أشرب من هوائها ومصالحها..
وإنني على يقين أن ثورات اليوم ليست كثورات الأمس لها لصوصها من الجبناء المستأثرين بحصاد ثمارها، وعلى المتخوفين من اللصوص نقول لهم ضعوا أرجلكم في مياه دافئة، فالعين ساهرة وأصابع الثوار ما زالت على زناد ثورتهم، ودعني أبعث بتحية بأريج ثورة البن اليمني الفواحة إلى حيث يرقد البوعزيزي الذي رحل عن الدنيا ولم يدرِ ما حدث بعده، فلقد كان الشمعة التي احترقت لتضيء للآخرين دروب الحرية والكرامة والعيش الكريم الذي ينشده الأحرار الشرفاء في هذه الأقطار العربية.
لقد مر عامان بكل ما فيهما من الحب والأمل والألم توحدت قلوبنا ورؤانا وأفكارنا وأهدافنا، سمت أخلاقنا وارتقت قيمنا الثورية، مر عامان تألمنا وصدمنا وجرحنا وفقدنا أعز وأغلى أخوة ورفاق، مر عامان تعلمنا فيهما كيف نتقبل الآخر ونحترم فكره، تقاسمنا فيهما رشفة الماء وكسرة الخبز، تألمنا جميعاً من أجل وطن حلمنا به، وخطينا حدوده الذهبية بجسر متين من القيم والمبادئ الثورية وروينا أرضه بدماء شهداءنا لتخضر ثمرة الحرية ورفعنا رايته بأنين جرحانا وها نحن قد وصلنا إلى تحقيق الهدف وما يبعدنا عنه سوى خطوة واحدة لنكملها معا، فليكن يوم 11فبراير مميزاً وغير عادي، فلن أسميها ذكرى 11فبراير، لأن الذكرى تمضي وتنتهي، ولكني سأقول لنحتفل سوياً بمرور عامين على ثورتنا السلمية.
إن من أجمل المعاني وأجل المضامين التي يحسن بنا الوقوف عندها بهذه المناسبة التي تمر علينا هو رمزية هذه اليوم فهذا اليوم بكل المقاييس يوم عظيم لكل من على هذه الأرض الطاهرة، لأن اليمنيون سطروا فيه تاريخا وما اندثر من الكفاح والنضال ضد الظلم والقهر والاستبداد..
إن مما يجب تذكره في هذه العجالة أنه و في هذا اليوم غير المتوقع والذي راهن عليه الكثير من أعضاء النظام السابق بعدم حدوثه، أشرقت شمس التغيير على اليمن لتعلن رغبتها بأن تعود اليمن إلى عهد ها القديم (اليمن السعيد) وبداية الثورة اليمنية التي عملت على اجتثاث الفساد والظالمين من الأرض المباركة وتعيد لنا أمجادنا المفقودة، في هذا اليوم العظيم خرج الشباب بشكل عفوي ومليء بالحماسة والرغبة والإصرار بالتغيير، غير آبهين بما يستعرضهم ويعترض طموحاتهم ومع علمهم بأنهم يتعاملون مع أشهر سفاحون هذا العصر، لكنهم أخذوا أرواحهم على أكفهم واعتبروها رخيصة من أجل هذا الوطن، رأيت شباباً كالملائكة نيري الوجوه مع كل يوم يصرخون بصوت واحد يهز الجبال ويرعد الأرض (إرحـل) وبهذه الكلمة زلزلوا عرش هذا الطاغية وتساقطت أركانه الواحد تلو الآخر.
إن مما سيسجل لليمنيين اقتناعهم الكامل والمطلق بعد انطلاق ثورتهم أن 11 فبراير كان الحلم الذي تمناه الشعب طويلاً والأمل الذي لطالما راود حلمه، إنه ترسيخ لمعنى الهوية في ذواتنا، مر عامان بما فيه من أحداث خلدتها ذاكرتنا، تتوطد فينا كالجبال فمن منا يمكن أن ينساها، إنه عام ضرب فيهم الشعب اليمني أروع الأمثال التاريخية، من يوم انطلقت فيه شرارة الثورة السلمية من مدينة تعز، يوم سقط فيه فرعون وطاغية مصر حسني مبارك، يوم خرج فيه الشباب وتلقوا كل أنواع الضرب وعمليات الاعتقال وأساليب التخويف من قبل بلاطجة وعسكر النظام، هذا اليوم، يوم تاريخي عظيم للشعب اليمني لخروجه من دائرة الظلم والاستبداد والتسلط من قبل نظام ظل جاثماً على صدورنا ثلاثة عقود من الزمن إلى دائرة الحرية والديمقراطية وخروجنا من تاريخ أسود عهد (علي صالح) إلى تاريخ أبيض عهد (الثورة المجيدة) الذي خرج فيها الشعب اليمني من أقصاه إلى أقصاه ينادون برحيل نظام فاسد، نظام استنزف ثروات هذا الوطن ومازال الثوار إلى اليوم مرابطين في الساحات، تاركين خلفهم أسرهم ومنازلهم إلى أن تتحقق أهداف الثورة السلمية، فنحن سنعيش يوماً عظيماً، يوماً سيحتفل به الشعب اليمني بأكمله..
لأنه يوم أنار درب هذا الوطن وأشرق فيه نهجه الكبير، ففيه بدأنا مشوار اليمن الجديد المفعم بالعدل والمساواة، مفعم بالحرية والكرامة، 11فبراير مسيرة نضال وكانت بداية كفاح نحو دولة مدنية حديثة يسودها النظام والقانون، هذا اليوم الثوري والنضالي سيبقى وساماً في صدر كل يمني وتاجاً على رأسه، فكم من أمجاد كانت بهذا الوطن كانت بدايته في هذا اليوم وكم من أحداث كانت مفرحة ومحزنة كانت انطلاقتها من هذا اليوم، نحن نحتفل بهذه الذكرى بكل بهجة وسرور، نحتفل بيوم غالٍ علينا، فكم أريقت من حينه دماء زكية وكم انطلق منها أنين جراح، فهو يوم لن ينسى.
إنه أيها السادة بكل بساطة يوم من الدهر لم تصنع أشعته شمس الضحى.. بل صنعناه بأيدينا، كان هذا ديدن الشباب الثائر في ساحات الثورة، آمال وأحلام تشرئب نحو يمن سعيد، ودولة مدنية تسع الجميع، أحلام ما كان لها أن تولد أو حتى تعيش لولا يوم ثوري كيوم الحادي عشر من فبراير..
وحتى لا يبقى هناك من يخشي أن يأتي يوم نقول فيه: (هرمنا منذ تلك اللحظة التاريخية)، نقول لتتوحد القلوب, لأن في ذلك تحقيق لأهداف الثورة السلمية فعلاً، الأمر الذي سنلمسها على أرض الواقع، وعهداً سنظل ثائرين، عهداً لك أيها العيد الثوري 11فبراير سنبادلك الوفاء لبناء العهد الجديد لليمن السعيد.
مروان المخلافي
11 فبراير.. يوم من الدهر 1488