هناك فرق بين الحوارات التي تجريها قنواتنا الفضائية وبين تلك التي تجريها القنوات المصرية.. الفرق أن الناس هناك يتحدثون بحرية، حيث يقولون ما يشاءون ولديهم معلومات ولديهم رؤى ولو بسيطة، إلا أنها تخرج إلى حيز الوجود.. أيضاً المحاورون يشعرون بالارتياح أمام ضيوفهم حتى وإن اختلفت الاتجاهات..
في فضائياتنا وإن برز عدد من المحاورون الجيدين إلا أن الحوارات عادة فيها شيء من الضيق، شيء من عدم الارتياح أو الأريحية حتى وإن كان الكلام بعيداً عما نريد.. إضافة إلى أن الحوارات السياسية لا تطرح حلولاً، آفاقاً مستقبلية، فقط تركز على الماضي والحاضر.. يأتي المتحاورون بلا معلومات، بلا أرقام وكأن الأمر عادي، صوت وصورة ومغالطة في معظم الأحوال.. لا أدري إن كانت هذه المقارنة مجحفة بحق قنواتنا وحواراتها السياسية أم أنني ولمتابعتي للقنوات المصرية أحس بأنها قنوات ملامسة لأوضاع الناس وهمومهم، قمت بهذه المقارنة العاجلة، في كل الأحوال تظل للخبرة والمهنية دورها.
من أجمل الحوارات التي شاهدتها حوار مع د.صلاح جودة وهو مستشار اقتصادي، الحوار اتسم بالصراحة، فند مشكلات مصر الاقتصادية بصورة مبسطة لا تخلو من السخرية المسئولة.. وقفت عند عبارة (الدولة التي تصدر الخام ستبقى عقولها خام وشعبها خام وتستاهل تكون في أسوأ الأوضاع).. من سوانا نحن في العالم العربي من يصدر الخام من النفط، من القطن، من الصمغ العربي، من السمك و...إلخ، لأن عقلية إدارة الدولة عقلية خام.. أتفق مع هذا الخبير الاقتصادي، فالشعوب الخام كثيرة، أولها نحن حيث يفتقد المواطن إلى الطريقة المعبدة التي توصله إلى السوق وتوصل أبناءه إلى المدرسة، يفتقد إلى المركز الصحي المؤهل لعلاج المرضى، يفتقد الماء الصالح للشرب، يفتقد لكل شيء، لأنه شعب خام ومع ذلك لا يستل سيفه ويطالب.. لا يقف أمام مكتب الحكومة ويقفله طالباً حقوقه الأساسية!!.. لذلك نحن نستاهل..
مما أعجبي في الحوار الممتع مع د/جودة هو حديثه عن الإجازات، فنحن، ويقصد مصر، دولة فقيرة تعطى إجازات بالهبل "52يوماً" للموظف إذا اعتمدنا الجمعة فقط، أي 46% من السنة إجازة.. الناس مرتاحة ومبسوطة بالإجازات وهم لا يدركون أنهم يساهمون في تخلف بلادهم من خلال تدني الإنتاج!! ولا يدركون أنهم يصنعون فقرهم وبؤسهم بأيديهم..
كلام لاشك ينطبق علينا نحن اليمنيين، فنحن لدينا يوما الجمعة والخميس إجازة، هذا غير الأعياد الرسمية الوطنية والدينية قد تزيد عن 100يوم إجازة، أي ثلث السنة إجازة.. ما أروعنا، ترى عندما أقرت هذه الإجازات، أقرت بعد دراسة كافية أم أنها في تخزينة قات.. وجد أولياء الأمور في هذا الوطن أن الناس بحاجة إلى الراحة والنوم وكان لزاماً أن يتجملوا مع المواطن بهذا الكم من الإجازات؟..
الخبراء الاقتصاديون في بلادنا ينبغي أن يقولوا للسياسيين: أداؤكم يحتاج إلى ربطة بالجانب الاقتصادي والناتج القومي الذي يؤثر في دخل الفرد زيادة ونقصاناً..
الحوار طويل وشيق، حاولت التقاط بعض النقاط التي تلامس واقعنا، فمثلاً عندما تحدث عن السفارات التي تقوم بفتحها مصر في دول ليس بها مصريون، مشيراً إلى أن العالم كله (193) دولة، أميركا وهي دولة عظمى ولديها إمكانات فتحت سفارات في (87) دولة فقط فيما بلغت السفارات المصرية (186) سفارة مستغرباً: هل نحن أغنى أم أمريكا أم بريطانيا التي لديها فقط، (76) سفارة في العالم أم فرنسا التي لديها (77) سفارة؟..
ترى كم عدد سفاراتنا نحن بالخارج ونحن أفقر دولة وأقل نمواً وأتعس حالاً؟.. كنت قد كتبت ذات مرة عن أن وزارة الخارجية كانت قبل الثورة حكراً على أسر بعينها وأسماء محددة.. كانت تنشأ لهم القنصليات والوظائف وتفصل لهم ولأبنائهم المهام ويحرصون على الدولة المريحة والجميلة.. لم يعترض أحد على هؤلاء الفاسدين.. ترى هل تغير الوضع في وزارة الخارجية بعد الثورة أم مازالت الأوضاع كما هي؟..
إن فتح سفارة في أي دولة يستند إلى شروط ليس منها تدبير وظيفة لفلان من الناس.