الإسلام بما جاء به من تعاليم سامية تتناسب مع جميع الناس في كل الأزمان والبلدان كفل لنا حرية تتسم مع تعاليمه السامية كما أعطانا حرية الفكر والكلمة التي حدودها معتقدات الإنسان ذاته ، واحترام حريات الآخرين هي منتهى التقدم والتحضر من الإسلام ، فالكثير من المواقف باتت اليوم تمر علينا وأصبحت مستنكرة لدى الكثير، فكثيرا ما يحدث الخلط بين مفهوم الحرية والاحترام عند كثير من الناس فتجد البعض لا يبالي بمشاعر الآخرين بحجة الحرية وتجده بكل جراه يتعدى على حريات ومشاعر الآخرين ،فلا تكتمل حريّة أي شخص ما لم يحترم حريات الآخرين، لأنّه باحترامه لحريّات الآخرين يضمن احترام الآخرين لحريّته، فيستمتع بحريّته من غير أن يخشى عليها إساءةً من أيّ متدخّل أو متطفّل.
ولذا، فإنني أرى أن يدخل في تعريف الحريّة احترام ثقافة الآخرين الذين نتعامل معهم واحترام خصوصياتهم وعاداتهم وطباعهم وتقاليدهم ومعتقداتهم وأفكارهم سواءً أكنّا مؤيّدين لها أم معارضين محبّين أم كارهين مؤمنين بها أم غير مؤمنين، لأنّ لكلّ إنسان ما يحبّه ويكرهه وما يرتضيه لنفسه ممّا لا نستطيع أن نصرفه عنه أو نغيّره فيه بالإكراه أو الكره أو البغض، فالقوة والمعاداة والكره لا يمكن أن تحوّل أيّ إنسان عن أفكاره ومبادئه واعتقاداته ومشاعره، فتلك أمورٌ خاصّة لا مجال لأيّ إلزام فيها، فلا يمكن لأحد أن يلزمك بحبّ أحد، ولا أن يرغمك على الاعتقاد بفكرة أو رأي أو نظرية.
إنّ ما يكسبه المرء وهو يحترم ثقافة الآخرين، أنّه يحقّق لنفسه حريّة من نوع آخر، وهي التحرّر من مشاعر الكره والاستياء من الآخرين الذين يعيشون معه في محيطه، وبتحرّره من هذه المشاعر يفتح لنفسه آفاقاً جديدة من الرضا وتقبّل الآخر تزيد من انشراح نفسه وتبعده عن سوء الظنّ والتخوفات والهواجس السلبية التي هي كلّها أسباب لتضييق حريّة المرء.
ولا يعني احترام الآخرين وتقبلهم أن نحبهم أو نؤمن بما لديهم، فاحترام ثقافات الآخرين وتقبلها شيء مختلف جداً عن حبها أو الإيمان بها.
إنّ الاحترام ليس بالضرورة أن يقترن بالحب، لكن الحب لا بد أن يقترن بالاحترام ، وإذا وجد الاحترام فإنه يخدم الحرية ويرعاها، ومتى وجد الحب والاحترام معا فإنّهما خير تربة للحرية والأمن والإبداع ، وحياتنا تختلف مسيرتها بين سمو ودناءة حسب هدف معين نرسمه لأنفسنا في هذه الحياة ونضطر إلى تعديل أساليبنا لأجل هذا الهدف حسب ما تقتضيه الحكمة منا.
دعوتي هذه ليست للحرية فقط بدون شروط أو قيود ولكنها حرية مشروعة بالالتزام والشعور بالمسئولية واحترام حريات الآخرين بما يتناسب مع آداب وتعاليم ديننا الحنيف.
رائد محمد سيف
الحرية والاحترام 1833