الحوار الوطني علامة رشد هامة في طريق التغيير وضمان انتقال اليمن إلى مرحلة السلامة والاستقرار والتي يمكن على أساسها صياغة ملامح المستقبل.
احتضان كافة القوى والأطر والمكونات والفعاليات الشعبية لهذا المؤتمر عامل أساس لإنجاحه ويعول على الشباب في منحه الروح والطاقة اللازمة لتجاوز كل المعوقات وذلك لكونه يمثل امتدادا حقيقياً لثورتهم الباسلة التي حسمت انتصار خيارات التغيير السلمية على كل أدوات ووسائل القوة والعنف.
ندرك جيداً حجم التحديات والصعوبات والمخاطر التي تكتنف التحول السياسي في ظل واقع هش تتكالب فيه جهات ومراكز قوى على مشروع الدولة الآخذ في التخلق والتشكل كما تنشط النزعات الفوضوية الجانحة في تأجيج الأزمات وإغراق البلاد في الفوضى مستهدفة تقويض أسس التغيير ونسف إمكانات النهوض بالحوار الوطني في هذه المرحلة خطوة هامة لتوفير الشروط الملائمة لإرساء دعائم اليمن الجديد مازالت بلدان ربيع الثورات العربية تواجه الكثير من العواصف والتجاذبات والانقسامات الحادة الباعثة على القلق ويبدو أن اليمنيين باختيارهم الحوار سبيلاً لحسم التباينات والخلافات ودواعي الانقسام مستوعبين الدرس تماماً ومدركين أهمية إيجاد إجماع وطني واصطفاف شعبي وجماهيري حول مجمل قضايا التغيير المصيرية التي تحدد وترسم صورة الوطن المنشود.
الحوار الوطني يأتي تتويجاً لانتصار الروح اليمنية الجامعة انتصار للغة التحاور والتفاهم للكلمة وللمنطق والحجة، كسرٌ للشرور وكبحٌ للتوجهات العنفية التي تحاول استغلال الأوضاع المحتقنة والأجواء الملبدة للإعلان عن وجودها الهدام.
هذا الحوار الذي تنعقد عليه آمال كل اليمنيين جديدُ تقرره إرادة المجتمع كله بنخبه السياسية والثقافية والاجتماعية والمنظمات المدنية الفاعلة وشبابه ومختلف فئاته وشرائحه ليس حوار أطراف أو جهات , ليس مفروضاً من فئة على أخرى ولا مشروطاً أو مقيداً ولا تتحكم فيه أو تحدده الإملاءات ليس حوار سلطة ومعارضة إنما هو حوار اليمنيين كلهم الذين يشكلون السلطة الحقيقية الضامنة لنجاحه والحاضنة لمخرجاته والمعنية بإنفاذ كل قراراته وتوصياته ومن هنا تكمن قوة هذا المؤتمر.
إن نجاح الحوار وتحقيق غاياته وأهدافه مرهونٌ بمدى إيماننا به واستيعابنا لأهميته ولضرورته على الصعيد الوطني وكذا مرهونٌ بمستوى مشاركتنا الفاعلة في دعمه وإسناده وترسيخ مفاهيمه وقيمه في الوعي المجتمعي العام .
إن الحوار عملية متقدمة تهدف لخلق مفاعيل قوة ساندة للتغيير قادرة على حماية خيارات التحول والبناء وتأمين المسار.. الحوار انتقال من الجدل العقيم والسجالات العبثية إلى الرزانة والرصانة ورجحان العقل، نحاول الخروج من ذلك النسق السلطوي في التفكير والتعبير والذي ظل يحدد المصالح العليا ويخترع الثوابت ويحتكر حراستها فارضا منطقه الخاص ورأيه ورؤيته على الجميع، أخشى أننا بصدد ضرب الحوار بتأثير تلك الرواسب ، لنحمي الحوار من أساليب الحمايات العتيقة التي تريد أن تجعله كابوساً مهددا للحرية ، ومبررا لمصادرة الحق في الاختلاف، إن الحارس الحقيقي لهذا المؤتمر هو الحوار ذاته ويقين الناس به لن يتأكد ويرسخ إلاَّ من خلال معطياته ومخرجاته ومستوى معالجاته للقضايا المطروحة ومدى الشفافية والوضوح والمصداقية والجرأة والحس الوطني العالي بالمسؤولية والحرص على تمثيل المجتمع كله.
من الصعب تحصيل يقين تام مسبق بمؤتمر الحوار وفرض التعامل معه والنظر إليه بمثالية مطلقة يسلبه قيمته ومعناه قوة الحوار وجديته وارتفاعه إلى مستوى التطلع كفيل بإكساب المؤتمر معناه ومنحه التأثير والعمق والزخم الشعبي الكبير من المهم أن يكون حوارا مفتوحا وقادرا على خلق التفاعل المطلوب يجب ألا يكون مسورا ولا محاطا بأجواء خانقة تقيد الرأي العام وتوجه وسائل الإعلام من المهم أن يؤدي الإعلام دوره بحرية وينفتح الأفق لنقاش مجتمعي حر واسع النطاق لمخرجاته أولاً بأول حتى يغدو الحوار حالة يمنية شاملة ومزاجاً وطنياً عاماً .
جمال أنعم
حوار اليمن.... 1985