تعد الوحدة من أجل النعم التي امتن الله بها علينا في هذا البلد وفي زمننا الاستثنائي هذا ومثل تحققها إقامة لفريضة أمر الله بها في محكم التنزيل, حيث قال) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا).. ويأتي حديثنا هنا عن الوحدة ونحن نعيش عامها الرابع والعشرين في سياق التذكير بما يجب علينا جميعاً تجاه هذه النعمة العظيمة والتي ما كان لها أن تتم لولا إرادة الله إذ ألف بين قلوب أبناء الشطرين وجمع القلوب على هدف واحد هو التوحد, بعدما كان القتال والتنازع سيد الموقف, فمن كان يصدق أن تجتمع القلوب لولا إرادة الله الذي بيده قلوب العباد يقلبها كيف يشاء, فلا تملك أي قوة على وجه الأرض أن تؤلف بين قلبين ولو بذلت في سبيل ذلك ما في الأرض جميعاً وصدق الله إذ يقول(وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) ولهذا فإن أول واجب يتعين علينا شكراً لله على هذه النعمة أن ننسب النعمة للمنعم بها وهو الله وحده, كي نستحق المزيد ونضمن لهذه النعمة الحفظ والرعاية الربانية, فلن نحتاج عندها إلى أي حلول تأتينا من هنا أو هناك لمواجهة المخاطر التي قد تحدق بوحدتنا مصداقا لوعده ومن أصدق منه وعدا إذ يقول(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) ثم إن هذه النعمة تحتاج منا أن نظهرها في سياق التحديث بها كنعمة بممارستها ممارسة حسنة قولا وسلوكا مع النفوس وعلى الأرض, بالعمل الجاد والمتواصل في سبيل استئصال ونزع فتيل كافة الذرائع والمبررات التي تقف وراء إحياء النعرات الشطرية والمناطقية والمذهبية والقبلية, وذلك بانتهاج وإحياء ثقافة الشراكة والانفتاح والتعاطي مع الجميع, سواء على مستوي النخب السياسية, أو على مستوي الشعب بكافة أطيافه ومكوناته.
كما أن من الواجب علينا تجاه وحدتنا المباركة العمل جميعا بروح الفريق الواحد في سبيل ترسيخ قيم الانتماء لهذا الوطن الغالي بين أوساط الجميع من أبناءه, وذلك بالسعي إلى تحويل المجتمع إلى طاقات منتجة وفاعلة ومحققة للتكامل ومتحررة من التسكع المهين في بعض الدول بحثا عما يسد رمقها, وكذا تعزيز الشعور بالفخر والاعتزاز بمنجز الوحدة, وذلك بالسعي الدءوب والمتواصل لجعل خيرات الوحدة في متناول الجميع وفقا لمبدأ المواطنة المتساوية.
إن وحدتنا المباركة تدعونا ونحن نعيش ربيعها الرابع والعشرين أن نقف دوماً متطلعين لغد أكثر إشراقاً نواكب فيه ما يشهده العالم من تقدم متسارع على كافة الأصعدة, وأن نتحرر ونحرر الجيل من ثقافة النظر إلى الخلف والماضي كي لا نبطئ في السير إلي الأمام, ولأن الالتفات إلى الخلف والماضي يجعلنا نرضي بالدون والراضي بالدون دني, و يجعلنا نعيش دون تحرير للطاقات والقدرات والمقدرات التي أودعها الله فينا وحفنا بها من حولنا.. ولأننا نعايش اليوم عالماً انفتح علينا وانفتحنا عليه فلا يصح أبداً أن نبقي منقادين وأسري لتلك الدعوات التي تريد أن تحاكمنا للماضي فقط, دون أن تدعونا أو تقف بنا يوما لنصيغ جواباً واضحاً محدد المعالم لسؤال مفاده: أين نحن اليوم من التطورات التي يشهدها العالم من حولنا؟ وهل يصح أن نبقي مصنفين ضمن دول العالم الثالث المتخلف؟ أم أنه يجب علينا أن نتحرر من هذا التصنيف الجاثم علينا المعطل لقدراتنا ومقدراتنا؟ فننطلق بنفسيات تؤمن بأن السعيد من كان غده خير من يومه, وهذه هي منهجية الإسلام التي تريد الوصول بالمسلم إلى الكمال كي لا يبقي عالة على غيره مستجديا لهم, يقتات فتات موائدهم.
نجيب أحمد المظفر
الوحدة نعمة.. فكيف نحافظ عليها؟ 1546