هل هو قدر الإخوان المسلمين البقاء في دائرة ودور الضحية حتى وإن وصلوا إلى الحكم، كما هو الحال في مصر, حيث تعرضت مقرات حزب الحرية والعدالة وحركة الإخوان للحرق والتنكيل على يد أطراف معارضة بعد أن كانت هذه المهمة من اختصاصات السلطات والأنظمة السابقة، على مدى ستة عقود ماضية.
عام على دخول إخوان مصر معترك السياسة وتسنمهم سدة السلطة، لم يكن كافياً في حساب المنطق السياسي للحكم على نجاح التجربة من فشلها، وكانت هذه الفترة على قصرها كافية بالنسبة للأطراف الدولية والداخلية لتقويض مشروع الإسلام السياسي وتجربة حكم الإخوان، عبر استثمار قلة خبرة الإخوان في الإدارة السياسية وطيبة نواياهم المكشوفة التي تصيد منها الآخرون نقاط ضعف الإخوان, وبالتالي مراكز قوة للمعارضة التي لا تدير عملها السياسي بنوايا مكشوفة أو بتقوى الله فحسب, كما هو حال الرئيس مرسي وجماعته التي افتقرت لسياسة فن الممكن ودبلوماسية المراوغة وفقاً لمتطلبات السياسة والظرف.
حصلت المعارضة التي كانت أفضل حالاً من الاخوان في عهد النظام المباركي المخلوع, من حيث حصة التنكيل والكبت، على فائض حرية, وعاد البرادعي يتبردع في طول مصر وعرضها, وتركت سياسة تقوى الله التي اتبعها الإخوان في إدارة سياسة البلاد وأمورها فائض حرية إضافي لكل المتبردعين الذين باتوا في مأمن من السجون والجواسيس والعقاب على يد رئيس يصلي الفجر جماعة ولا تفوته تراويح رمضان.
ولم تعش مصر حرية مفتوحة على مصراعيها كما عاشته خلال العام الأول من فترة حكم مرسي؛ إذ ظلت القنوات الرسمية التي طالما سبحت بحمد مبارك على الحياد في أدائها الإعلامي ووجدت فيها التيارات المعارضة مساحة للحديث وانتقاد السلطة والرئيس شخصياً, والخطأ هو أن هذه المساحة كانت أكبر أو بدون سقف إذا ما راعينا عامل التوازن والعدالة الإعلامية, إذ تمددت هذه المساحة على حساب الخطاب الرسمي المفترض.. الخطأ الثاني الذي اقترفه الرئيس مرسي هو أنه لم يكرر أخطاء سابقيه وحافظ إلى حد كبير على درجة عالية من الطهر والنقاء السياسي في تعاطيه مع المعارضة وذات الشفافية في إدارته أمور البلاد.
ما يحدث حالياً من مظاهرات واحتشاد ميداني في مصر دليل على نجاح حكم الإخوان ونجاح مرسي تحديداً ونقاء سجلهما من أية عمليات تقييد للحريات أو تنكيل بالمعارضين حتى المخربين الذين ذكر الرئيس في خطابه الأخير أسماء بعضهم وجدوا أنفسهم أمام متاحات وقنوات خاصة بهم للطعن في شرعية الرئيس، إلى حد السفالة أحياناً في خطاباتهم وتصريحاتهم، وتحدثوا باسم المصريين وارتدوا ثياب الوطنية والثورة دون أن يكلف الإعلام الرسمي نفسه عناء كشف جرائمهم بحق مصر, كحال المتهرب من دفع الضرائب للخزينة العامة ،محمد الأمين, رجل المال والأعمال الذي أورد الرئيس مرسي اسمه في خطابه أخيراً.
في ظل هذه الأجواء المفتوحة على مصراعيها للخطاب المعارض والتيارات الليبرالية والعلمانية كان من الطبيعي أن تتراجع وتنكمش حرية الإخوان إلى ركن الزاوية بعد أن عاشت عقوداً في الهامش, ونظراً لحساسية أي سلوك صادر عن الرئيس وتفسره المعارضة على أنه نزول عند رغبة المرشد العام للجماعة أو تنفيذ لتوجهاته, حرص مرسي كثيراً على عدم اتخاذ أي موقف يفسر على أنه لصالح الجماعة التي ينتمي إليها, وطالت سهام الشتم والتشويه والبذاءة والألفاظ السافلة الرئيس مرسي والجماعة عشرة أضعاف ما فعله إعلام الأنظمة السابقة بهم.
وكان الأقباط ورقة جاهزة ورابحة للتيارات المعارضة التي نجحت في جذبها إلى صفها عبر تعبئة سياسية اعتمدت الدين عنصراً رئيساً في توسيع الفجوة بين مسلمي ومسيحي مصر, أو بالأدق بين الإخوان والكنسية التي لديها افتراضات ومخاوف سابقة من سيطرة الإخوان على مراكز القرار.. في الوقت نفسه قدم الرئيس تطمينات وعين مستشارين مسحيين في قصر الرئاسة, لكن الآلة المضادة عملت بنجاح في تقويض أية فرصة لقاء أو تقارب ممكنة بين الطرفين.
وفي الواقع إن ما يحدث حالياً في مصر هو دليل واضح وأكيد على أن الحرية التي أنتجتها ثورة يناير المصرية 2011مازالت قائمة ولم تتعرض للسطو والسرقة والتقييد على يد الرئيس مرسي الذي كان بإمكانه أن يكرر أخطاء سابقيه وينجو من العاصفة, فيما لو أنه أدرك مبكراً أن الدبلوماسية هي شيء آخر غير تقوى الله.
عبدالرزاق الحطامي
حزين على مصر 1562