قمة الفظاظة جاءت قبل يومين من بروناي، عندما قال جون كيري بعد اجتماعه مع سيرغي لافروف إنهما أكدا استمرار الاتفاق المشترك بينهما على ضرورة عقد مؤتمر جنيف لحل الأزمة السورية «عاجلا وليس آجلا»!
هذا الاستعجال أشبه برقصة «تانغو» على قبور السوريين، وقد جاءت بعدما انضم الصينيون ميدانيا إلى الروس والإيرانيين في دعم النظام، لكن بطريقة تنطوي على توجيه إهانة مباشرة إلى الأميركيين، عندما قدمت بكين يوم السبت الماضي معلومات استخبارية إلى الأسد عن دخول قافلة أسلحة أميركية من الأردن إلى المعارضة، فسارع الطيران السوري إلى قصفها وتدميرها!
طبعا ستبتلع واشنطن هذه الإهانة رغم أن الشحنة تأتي بعد تصريحات عن مباشرتها تقديم مساعدات إلى «الجيش السوري الحر» لتقويته، بما يؤدي إلى قيام توازن ميداني يساعد على عقد مؤتمر جنيف، الذي بات أشبه بمهزلة أو بقناع يتلطى الأميركيون والروس وراءه في «إدارتهم المشتركة» للمذبحة السورية.
قمة الفظاظة أيضا أن يشير كيري إلى أن المحادثات مع لافروف أحرزت تقدما، بينما الواضح أن الخلاف الذي يعوق عقد المؤتمر والمتعلق تحديدا بموعد خروج الأسد من السلطة لا يزال عالقا، رغم أن ما يجري في سوريا تجاوز حدود المذبحة المفتوحة إلى تهديد الأمن الإقليمي، بعدما وضع التدخل الإيراني دول المنطقة كلها في مواجهة «تطورات خطيرة ومقلقة»، وهو ما اتفق عليه الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي في اجتماعهما السنوي الذي عقد في المنامة.
الحديث عن مسخرة جنيف يأتي مع إعلان «الائتلاف الوطني السوري» أن التدخل السافر لروسيا وإيران وحزب الله، والهجوم على مدينة حمص، يضعان المؤتمر والحل سياسي في مهب الريح، وأنه آن الأوان لاتخاذ إجراءات حاسمة بإقامة منطقة حظر جوي توقف تمادي النظام في ذبح الشعب، وخصوصا بعد استعماله المتكرر للأسلحة الكيميائية، بما يكشف زيف تهديدات باراك أوباما، ويؤكد فعلا قول السيناتور جون ماكين أن خطوطه الحمراء مكتوبة بالحبر المخفي!
لكن الإدانات لم تعد تكفي، وآخرها البيان الصادر عن اجتماع المنامة الذي دان مشاركة ميليشيات حزب الله والقوى الأجنبية الأخرى في العمليات العسكرية، مؤكدا الحاجة إلى تسوية سياسية عاجلة.
المعيار الآن هو هل سيجرؤ الأوروبيون على تنفيذ وعودهم بتسليح المعارضة، وخصوصا بعد اختبائهم وراء الموقف الأميركي الذي يتعامى عن الأخطار الإقليمية التي ستترتب على تدخل الإيرانيين في القتال إلى جانب النظام مع أذرعهم العسكرية في حزب الله و«عصائب أهل الحق» العراقية، وهو ما يهدد بانزلاق دول المنطقة كلها إلى صدام مذهبي مدمر سيكون بمثابة كارثة محققة على الجميع.
المثير، وربما المحيِّر، أن خطر اشتعال الحروب المذهبية في منطقة طالما اعتبرتها أميركا حيوية لأمنها القومي، لم يلقَ حتى الآن، لا في واشنطن ولا في العواصم الأوروبية على تخوم الإقليم، ما يستحق من اهتمام ولو على قاعدة الحذر والاستباق، رغم أن انزلاق الشرق الأوسط والخليج في نزاع بغيض من هذا النوع، سرعان ما سينقل الصراع ليشمل الدول الإسلامية الآسيوية، وليس سرا أن انفجارا بهذا الحجم سيهدد الاستقرار العالمي، ويخنق دورة الاقتصاد، ويشل عجلة الصناعة على المستوى الدولي!
المشكلة تماما كما يصفها الأمير سعود الفيصل، عندما يسخر بألم من الذرائع التي لا تزال تثار في الدول الغربية للتحفظ عن دعم المعارضة السورية من خلال التوقف عند خلاف مزعوم بين المعارضة السياسية والمعارضة العسكرية، بينما يكمن أساس المشكلة في انقسام مجلس الأمن، وهو ما دفع سوزان رايس إلى القول: «إن التاريخ سيحكم بقسوة على عدم تحركه لوقف المذبحة، وهو ما يشكل فضيحة من وجهة نظر أخلاقية واستراتيجية».
أخلاقيا وسياسيا واستراتيجيا، روسيا والصين لا تتحملان وحدهما وزر هذه الفضيحة بسبب استعمالهما الفيتو الذي عطل الحلول.. أميركا تتحمل الوزر الأكبر للفضيحة؛ لأنها تعامت، ولا تزال، عن مذبحة العصر إرضاء لإسرائيل التي و يا للسخرية، تلقت رسالة من فلاديمير بوتين في 15 الشهر الجاري تقول: «إن مصلحتكم العليا أن تؤيدوا بقاء الأسد؛ فهو حريص على تطبيق الاتفاقات المبرمة معكم، وعلى يده ساد بينكم هدوء شديد». فكيف يمكن الحديث بعد هذا عن حماية ظهر «المقاومة» بالقتال إلى جانب نظام تطمئن إسرائيل إليه؟
المعارضة لم تعد تقاتل نظاما فقد شرعيته، بل أصبحت، كما يقول الأمير سعود الفيصل، «في حرب ضروس ضد محتل أجنبي، وهو ما يؤكد شرعيتها طبقا لميثاق الأمم المتحدة، الذي يكفل لها حق الدفاع عن النفس وطرد المحتل» الإيراني وأذرعه العسكرية، إضافة إلى الروس والصينيين أيضاً.
الشرق الأوسط
راجح الخوري
لكنها فضيحة أخلاقية واستراتيجية أميركية! 1081