أكيد أن الكثير من المتابعين للحدث المصري ينتظرون اليوم بفارغ الصبر ما ستؤول إليه الأمور بعد هذا الانقلاب، هل سيتعزز موقع الانقلابين وسيكون بمقدورهم تسيير دفة القيادة إلى بر الأمان الذي يتمنونه دون منغصات ويصلون ليل نهار لله والشيطان من أجل ذلك, أم أن الأمور ستأخذ منحى آخر لصالح الشرعية الدستورية هناك.
باعتقادي أن الأمور اليوم قد طرأ عليها كثير من المعطيات وإن كان ظاهر الواقع يقول بأن الأمور تزداد انسداداً في وجه الشرعية في مصر، ويضيق هامش التحرك لدى الغاضبين والحالمين بعودة شرعيتهم ووطنهم من السراق.
من خلال المتابعة والتدقيق في كثير من المشاهد ومضامين المواقف والخطابات سنجد أن هناك كثيراً من المعطيات التي طرأت على الوضع المصري, ليس أقلها خطاب السيسي الأخير الذي ظهر به ليثبت للجميع , ظناً منه ذلك, أن خطوته التي قام بها جاءت في وقتها، وحان موعدها، متحدثاً عن أن الأمور في مصر مستتبة والأوضاع في طريقها للتحسن، ولم يدر في خلده أن المتابعين له ممن أراد إقناعهم بما يقول أصبحوا على قناعة بأن خطابه كان مليئاً بالمغالطات التي لم تعد تنطلي على احد, بل إنها عززت لدى الآخرين ممن يرون في خطوته انقلاباً عسكرياً موقفهم المبدئي الرافض لانقلابه، فأيمانه المغلظة، وتفاعله الكبير مع خطابه، وكثرت حركة يده أثنائه، ومحاولته الظهور بمظهر الواثق من نفسه, عدها كثير من المراقبين شواهد على اهتزاز الرجل وموقفه من انقلابه.. والغريب أن الرجل جاء على ذكر ما يتم تداوله من اتهامات للعسكر قام بالتصريح بها والرد عليها بحجج واهية لا تقنع الصغار، أضف إلى ذلك أن الرجل لم يتطرق لا من بعيد ولا قريب إلى الدماء التي سالت طوال الأيام السابقة وأصبحت تؤرق هم المصريين، وقال مراقبون في هذه النقطة إن الرجل شعر بأنه إذاً خاض في هذا الموضوع فإن موقفه سيكون ضعيفاً، وما عرف الرجل بأن سكوته أيضاً سيضعفه اكبر، ولقد قالها كثير من المصريين: وماذا عن الدماء التي سالت يا سيادة المشير، من الذي تسبب في إراقتها؟.
إن خطاب السيسي الأخير جاء به الله على قدر، فقد كان بمثابة شحنة للغاضبين لمواصلة هبتهم الرامية إلى عودة الشرعية المتمثلة بالدكتور مرسي.
من الشواهد أيضاً استمرار السلطات في ملاحقة القيادات واشتداد وطأتهم في ذلك في مشهد يفضح زيف الانقلابين بأن الأمور تسير إلى الهدوء بعد عزل مرسي، واعتقال القيادات شاهد من شواهد فشل الانقلاب لأنه ببساطة يدلل فيما لا يدع مجالا للشك بأن قادة الانقلاب يشعرون بأن هذه القيادات إذا ما بقيت حرة طليقة فإنها تهدد موقعهم الانقلابي لشعورهم بانهم واقفون على أرضية هشة وهذا الحاصل.. لذلك نجدهم اليوم ما زالوا يلاحقون هذه القيادات وإلصاق التهم عليهم وهذا أيضاً دليل بأن شبح الانقلاب يلاحقهم مع كل خطوة يقومون بها.
من الشواهد تداعي الإعلاميين الذين طبلوا وزمروا لهذا الانقلاب، نجدهم اليوم يستنفرون أنفسهم لتوجيه خطابهم للقيادات التي أيدت الانقلاب تدعوهم لعمل زيارات مكوكية لتوضيح المشهد وتبربر الانقلاب لدى القوى الخارجية التي أصبح موقفها ينحو منحى آخر غير الاعتراف به، فهذه لميس الحديدي بالأمس وعلى مدى ثلاث ساعات ظلت توجه حديثها لصباحي وعمرو موسى وغيرهم لزيارة الدول التي أصبح موقفها اليوم مغايراً لما كان يتمناه الإنقلابيون, مخونة كل من لا يتحرك في هذا المسار ولا يتصدى لهذا العمل ممن أيدوا الانقلاب.
ويمكن الاستئناس بموقف بعض الأحزاب والتحالفات التي أصبحت اليوم تتملص من الانقلاب كدليل على أن الانقلاب لن ينجح وسيفشل، فشيخ الأزهر أصبح يندد بالدماء، والبابا تواضروس يدين أعمال العنف ويدعو الجيش لنبذه والبعد عنه، ومفتي الجمهورية يدعو إلى ضبط النفس من الجانبين، والبرادعي رحل إلى فيينا في تسجيل واضح منه لموقفه بعدما شعر بأن الانقلاب واقف على أرضية ليس لها قرار وهو أحد أقطاب هذا الانقلاب.
يبقى الموضوع الاقتصادي هو الأهم عند الانقلابين وله يرجع الكثير من الأمل الذي يعقده السيسي اعتمادا على التدفق المالي الخليجي, لكن ما آلت الأمور الاقتصادية اليوم تبشر بما ليس فيه البشرى للعسكر وسوق تداولات البورصة المصرية توضح مثل هذا التراجع الاقتصادي إلى درجة أن السلطة الحاكمة اليوم في مصر قد بدأت تلمح إلى أن كادر الأجور الذي كان قد اعتمده مرسي لن يطبق كاملاً نظراً للظروف الاقتصادية المتدهورة التي لا يصرح بها الإنقلابيون خوفاً من حركة الشارع وتراجع شعبيتهم التي يرونها بعيونهم العوراء.
ويمكن القول حتى لا يطول مقالنا بأن هذه أهم المعطيات المحددة لفشل الانقلاب, دون ألا ننسى بأن الغاضبين قد عقدوا أملهم بالله في تحقيق وإعادة ما يصبون إليه من الشرعية المسلوبة, وهل هناك أقصى غاية للإنسان يحقق من خلالها ما يرجو تحقيقه أفضل من عقد الأمل عليه سبحانه وتعالى؟.. لا أعتقد ذلك, ولكن الظالمين عن غاية الحالمين لا يعقلون.
مروان المخلافي
سيفشل انقلابهم 1280