في رمضان زرت مستشفى الثورة العام بصنعاء تحديداً قسم جراحة المخ والأعصاب، كنت على موعد مع احد الأطباء لأعرض عليه فحوصات والدتي رحمها الله والأشعة المقطعية.. انتظرت حتى يخرج الطبيب من غرفة العلميات.. انشغلت بالحديث مع إمراتين، كانتا مرافقتين لرجل مسن حكايته مؤلمة وتعكس مدى بؤس حياتنا نحن اليمنيين رغم الثورة والتغيير، رغم الحوار، رغم الوعود ورغم كل شيء لا علاقة لنا به.. الرجل من ريمة من قرية جبلية، أصيب بجلطة متوسطة في الدماغ، ليس لديه سوى زوجته وهي فريسة لعدة أمراض وابنته المتزوجة، ومقيمة في قرية جبلية أخرى وأبن شبه متخلف عقلياً.. فقراء حتى النخاع، أراد الجيران إسعاف الرجل إلى المدينة، حملوه على سرير خشبي قاصدين النزول به إلى حيث السيارة، وهم في طريقهم الوعرة زلت قدم احدهما وهم أربعة رجال، سقطوا جميعاً ومعهم المسن المريض!! تكسرت أطراف الرجل المسن وأصيب رجلان بجروح في الرأس والأرجل، فيما أصيب الرجلان الآخران برضوض.. إنتشل الجميع وهم في حالة بؤس وألم وجيء بهم إلى صنعاء.
الرجل المسن وهو الأهم هنا يحتاج إلى عدة عمليات تكلف الكثير من المال، أجريت له ثلاث عمليات من أصل "5 عمليات" والمطلوب سداد مبلغ وقدره.. هذه الأسرة لا تمتلك قوت يومها.. ياااه!! كم أنت قاس إيها الفقر في بلد يتقاسم فيه الكبار الوظائف والموارد والجبال!!
بكت المرأتان من سوء ماهم فيه.. من أين سيدبرون مبلغاً كهذا وكيف؟ لن تجرى بقية العمليات إذا لم يسددن المبلغ نصحهما أحد العاملين بالقسم أن يتدينَّ نصف المبلغ وهو سوف يحاول الحصول على أمر بإعفائهم عن الباقي.. فخرج الطبيب لكن من أين سيدبرن المبلغ ( صندوق الدواء – صندوق رعاية الفقراء – صندوق المعوزين – صندوق المعدمين – صندوق المنضوب عليهم ) أي صندوق هذا الذي سيدفع لهؤلاء وينقذ حياة مريضهم؟
ما هذه الثورة التي لا تنتصر للفقراء والمعوزين؟ ما هذا التغيير الذي لا يطال حياة السواد الأعظم؟ ما هذه الحكومة التي تعزز الفقر ولا تعالج المرض؟ هذا الواقع المر ينبئ بمستقبل أكثر إيلاماً على طبقة الفقراء؟
إن ما سمعته وشاهدته رسم صورة بائسة لواقع يدعو للبكاء.. تمنيت على محافظ ريمة لو يطالب بمراكز صحية متكاملة ويناضل من أجلها، فالأهالي هناك يستحقون، ولو كل مجلس محلي قام بدوره في توفير الخدمات الأساسية، لما صار وضعنا بائساً وقائماً كهذا ولو فكرت الحكومة بجدية في مصاعب الناس ومشاكلهم واحتياجاتهم لما بكينا من وطأة المعناة..
الله يشفي الجميع ونسأله أن يكتب لهذا الوطن حكومةً من المخلصين والأكثر نزاهة والأفضل على مستوى الأداء وأكثر إنسانية.
محاسن الحواتي
بؤس الفقر وبكائية المرض! 1451