من يرقب المشهد الإعلامي المصري اليوم عن كثب يصاب بحالة من الذهول من هول الفاجعة لما وصل إليه الإعلام المصري بنخبه ورموزه، وأخص منه بالذكر الإعلام الذي طبل وبشر بالانقلاب العسكري إلى درجة أن احدهم وصف ما يسمى بثورة 30 يونيو إنما هي ثورة إعلامية لا أقل ولا أكثر تصدى لها مجموعة من الأرقام الإعلاميين والرموز الصحفية إن جاز لي التعبير نظراً لما يمثله هؤلاء في الوسط الإعلامي بشكل عام والوسط الصحفي بشكل خاص، حتى آخر الناس المحترمين كما يقال من هؤلاء ولجوا في هذه المعمعة التي خاضوا غمارها بغير الأخلاق، فقائل لم يجد حرجاً من نعت المعتصمين بالإرهابيين وقائل آخر رأى من الواجب أن يدعو الجيش إلى التدخل السريع لفض الحراك الشعبي المطالب بعودة الشعرية المتمثلة بمرسي وقائل ثالث دعا صراحة إلى التعامل بعنف وبيد من حديد مع من سماهم بالإرهابيين, بل ومحوهم من الوجود عبر حل جماعة الإخوان وحظر الجماعة من ممارسة أي عمل سياسي في المستقبل وهكذا دواليك..
ومع هذا الواقع المنفلت والمزري والذي وجد من يشجعه من العسكر رأينا أن هذه النخبة ما زالت حتى اليوم سادرة في غيها مع ما يمر به الوطن ويحتاج إليه من تهدئة إعلامية تكون سببا في رأب الصدع للنسيج الاجتماعي المصري، بل إن التمادي أصبح يأخذ منحى آخر من هذه النخبة حتى أولئك الذين توسمنا فيهم النضج الإعلامي والاتزان في التعاطي مع الأمور، خذ على سبيل المثال إحدى الإعلاميات على قناة الفراعين المصرية الموالية للانقلاب بكل بجاحة لم تجد من الحرج أن تتحدث من أن توكل كرمان ما كانت تنوي إليه من زيارة مصر هو معاينة ما إذا كان هناك جهادا للنكاح يمارس للمعتصمين في ميداني رابعة والنهضة في إشارة قذرة منها تغمز بها النوبلية اليمنية، حتى مصطفى بكري الصحفي المحترم خرج عن طوره عندما قال دون حياء بأن الشعب المصري سيستقبل توكل بالقباقب والِجزم، والجدير بالذكر أن هذه النخبة وجدت في الانقلاب فتح لشهيتها في أن تقول في الإخوان ما لم يقله مالك في الخمر.
هذا على صعيد الحرب على الغاضبين الذين ما زالوا في الشوارع, أما على صعيد مغازلة الجيش الذي قام بخطوة الانقلاب فقد كثر الكلام ويكفنيا في هذا السياق التطرق إلى عنوان واحد فقط، ففي مقال أثار ردود أفعال متباينة، عرضت الكاتبة الصحفية "غادة شريف" نفسها للزواج أو "ملك اليمين" على الفريق أول/ عبدالفتاح السيسي, وزير الدفاع، وذلك بعدما طالب - في خطاب - الشعب المصري أن ينزل في مظاهرات حاشدة لمنحه ما وصفه بـ "تفويض لمحاربة الإرهاب"، مغازلة اعتبرها البعض صراحة بالـ "تحرش الجنسي" بوزير الدفاع، ووصفه البعض بالإسفاف في التعبير عن الرأي.. فتحت عنوان "يا سيسي.. أنت تغمز بعينك بس" قالت غادة شريف:" طالما السيسي قالنا ننزل يبقى هننزل.. بصراحة هو مش محتاج يدعو أو يأمر.. يكفيه أن يغمز بعينه بس.. أو حتى يبربش، سيجدنا جميعاً نلبى النداء.. هذا رجل يعشقه المصريون، ولو عايز يقفِل الأربع زوجات، إحنا تحت الطلب، ولو عايزنا ملك اليمين، ما نغلاش عليه والله!".
إنه إسفاف النخبة الإعلامية المصرية التي لم تتورع من أن تكون أداة هدم في وقت يمر فيه الوطن بأحلك الظروف، وأصعب اللحظات والتي تحتاج إلى تهدئة النفوس بدلا من إشعال جذوة الأحقاد حتى لا تصير المرحلة الانتقالية بفعل الانقلاب من مرحلة انتقالية إلى مرحلة انتقامية وهو الحاصل اليوم للأسف الشديد.
ولا أنكر في هذا السياق أن هذه النخبة وهي تمارس اليوم أقذر دور في الوسط الإعلامي والصحفي أن تجد نفسها منتصرة، ولا أنكر أيضا شعورها بأنها قد ساهمت في تأليب الرأي العام ضدا الإخوان الذين يعتبرون جزءاً أصيلاً من الشعب المصري، اعرف أن هذه النخب فعلا كان لها مثل هذا الدور الذي أضر بأصحاب الشرعية في مصر, لكنه نصر لن يدوم ولن يكتب له النجاح حتى النهاية, لأنه مبني على أرضية هشة، قهر فيها المظلومين، وانتقص من حق المصريين.. لذلك نقول لهم: لا تفرحوا كثيرا فليل الظالمين بعده فجر مبين, والأيام بيننا وستتذكرون ما نقوله اليوم.
مروان المخلافي
زمانك يا مهازل النخب الإعلامية المصرية 1374