;
مروان المخلافي
مروان المخلافي

لمن يفهمون الإنسانية 1199

2013-09-02 17:33:41


مشكلة الإعلام المصري الرسمي والموالي أنه تنكر للإنسانية، وأصبح يمارس القسوة والغلظة حق المعتصمين والغاضبين في مصر بأبشع صورها، وأقسى مشاهدها.. وأضعك أخي القارئ مع هذا المشهد الحواري الذي بث على إحدى القنوات..
المذيع يسأل أحد المتداخلين المؤيدين للانقلاب: من الذي قتل المعتصمين في رابعة العدوية؟.. أجاب: من كانوا خلفهم من المعتصمين انفسهم.. سأله المذيع: لماذا؟.. أجابه المتداخل: من أجل استغلال ذلك إعلامياً.. سأله المذيع: تقصد المعتصمين يقتلون أنفسهم؟.. تلعثم ولم يجب إجابة شافية، سأله المذيع مرة أخرى: بنت البلتاجي من الذي قتلها؟, وابن محمد المرشد العام من الذي قتله؟.. أجاب: المعتصمون طبعاً استهدفوها من الوراء.. سأله المذيع: وهل كان أبوهما على علم وهما اللذان تصفوهما بأنهما من أكبر المحرضين؟.. سكت المتداخل ولم يستطع الإجابة, فقام من فوره بقطع الخط.
وأنا أشاهد ذلك قلت في نفسي أي قلوب قدت من حجر يحملها هؤلاء داخل أجسادهم، بنت البلتاجي مازال دمها طرياً وجرح المرشد العام ما زال مفتوحاً وجروح الكثير من أمهات مصر ما زالت مكلمة على فلذات أكبادها التي سفكت دماؤها ولم تدفن بعد.. نجد من يقول بأن قتلتها هم الذين عاث العسكر فيهم قتلاً، وعندما تسقط في أيديهم الحجة يقوون بالتبرير لهذا القتل فتباً لهم وتباً للقلوب التي بين جنوبهم وشلت الأيادي أيادي الغدر والإجرام التي قتلت خيرة الشعب المصري وغدرت بصفوت أبنائه.  
وبالمقابل لم أستطع أن أتمالك نفسي وأنا أشاهد موقفاً مؤثراً، أجهش فيه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بالبكاء عند سماعه الترجمة التركية للرسالة التي كتبها الدكتور/ محمد البلتاجي, القيادي بجماعة الإخوان المسلمين, إلى ابنته أسماء، التي استُشهدت يوم مجزرة رابعة العدوية في مشهد يعيد للأذهان حقيقة أنه عندما حينما تتوحد أهداف الإصلاح وتنمية ونهضة الوطن، وينذر الغالي والنفيس من أجلها، فإن الهم والشعور يكون مشتركاً، وهو معنى تجسد بقوة مع كل دمعة ذرفها رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء التركي، خلال لقاء له على إحدى الفضائيات التركية، حينما استعرض البرنامج رسالة الدكتور محمد البتاجي، عضو المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة، إلى ابنته الشهيدة أسماء التي اغتالتها أيدي ميليشيات الانقلاب العسكري الدموي في مجزرة فض اعتصام رابعة العدوية..
ترجم معدو البرنامج الرسالة إلى اللغة التركية، وتم عرضها خلال البرنامج، وطوال دقائق هي مدة عرض الرسالة المترجمة لم تتوقف أعين أردوغان عن البكاء الصادق، الذي تلاه حديث يكشف مدى صدق مشاعره وعمقها نحو أصحاب قضايا الإصلاح وتنمية الأوطان.
صحيح أن أردوغان والبلتاجي لم تجمعهما لقاءات متعددة، ولكن جمعهما شعور الأب الذي يفتقده أبناؤه لكثرة انشغاله بالعمل العام والمجتمعي.. فعقب انتهاء عرض رسالة البلتاجي للشهيدة أسماء، سأله مقدم البرنامج: لماذا كل تلك الدموع؟.. فأجاب أردوغان بتلقائية:" في ليلة قامت ابنتي بتعليق ملاحظة على باب غرفتي، كتبت فيها ليكن لنا من وقتك ليلة، ولكن لم يكن لدي وقت، كنت أعمل بشكل مكثف في موضوع ما، وكنت أعود للمنزل منتصف الليل حينها يكون أولادي نياما".
ويستطرد:" تذكرت أبنائي حينما رأيت الرسالة التي أرسلت لأسماء من أبيها محمد البلتاجي.. تخيلت أطفالي، وأيضاً عدم استطاعته الصلاة على ابنته في جنازتها، وقوة البلتاجي على تحمل الألم، ونظرته للمستقبل من أجل الآخرة وليس للدنيا، هذه المواقف جعلتني أتأثر بشكل كبير".
"بالطبع الشهادة شيء لا مثيل له".. قالها أردوغان, بينما كانت دموعه تكابد حروفه، وأكمل: "أسماء لم تستمتع بحياتها، وارتقت إلى ربها شهيدة، وأثق أن موقف أبيها من هذا الحدث سيكون درسا لدول العالم الإسلامي إن شاء الله، ودرساً لشبابنا أيضاً.. أنا الآن لا أتحدث كرئيس للوزراء وإنما أتحدث كمواطن عادي".
وكان د. البلتاجي قد حيا ابنته وأستاذته، كما أسماها الشهيدة أسماء البلتاجي، وقال:" لا أقول وداعاً بل أقول غداً نلتقي، عشت مرفوعة الرأس متمردة على الطغيان ورافضه لكل القيود، وعاشقة للحرية بلا حدود، وباحثة في صمت عن آفاق جديدة لإعادة بناء وبعث هذه الأمة من جديد؛ لتتبوأ مكانتها الحضارية".
وأضاف البلتاجي في رثائه لابنته الشهيدة:" لم تنشغل بشيء مما ينشغل به من هم في مثل سنك، ورغم أنك كنت دائماً الأولى في دراستك، فما كانت الدراسة التقليدية تشبع تطلعاتك واهتماماتك، فلم أرتو من صحبتك في تلك الحياة القصيرة، خاصة أن وقتي لم يتسع لأسعد وأستمتع بتلك الصحبة، وفي آخر جلسة جلسناها سوياً في ميدان رابعة عاتبتيني قائلة (حتى وأنت معنا مشغول عنا)، فقلت لكي (يبدو أن الحياة لن تتسع لنشبع من بعضنا، أدعو الله أن يسعدنا بالصحبة في الجنة؛ لنرتوي من بعضنا البعض)".
وتابع:" رأيتك قبل استشهادك بيومين في المنام في ثياب زفاف، وفي صورة من الجمال والبهاء لا مثيل لها في الدنيا، حين رقدت إلى جواري سألتك في صمت هل هذه الليلة موعد زفافك فأجبتيني (في الظهر وليس في المساء سيكون الموعد)، حينما أخطرت باستشهادك، ظهر الأربعاء، فهمت ما عنيتي واستبشرت بقبول الله لشهادتك وزدتيني يقيناً أننا على الحق وأن عدونا هو الباطل ذاته".
وأكمل البلتاجي:" آلمني شديد الألم ألا أكون في وداعك الأخير، وألا أكحل عيني بنظرة وداع أخيرة، وألا أضع قبلة أخيرة على جبينك، وألا أشرف بإمامة الصلاة عليك، والله يا حبيبتي ما منعني من ذلك خوف على أجل، ولا خوف من سجن ظالم، وإنما حرصاً على استكمال الرسالة التي قدمت أنت روحك لأجلها، وهي استكمال مسيرة الثورة حتى تنتصر وتحقق أهدافها".
واستطرد:" ارتقت روحك وأنت مرفوعة الرأس (مقبلة غير مدبرة) صامدة مقاومة للطغاة المجرمين، أصابتك رصاصات الغدر والنذالة في صدرك, ما أروعها من همة وما أزكاها من نفس، أثق أنك صدقتي الله فصدقك واختارك دوننا لشرف الشهادة".
واختتم:" لا أقول وداعاً, بل أقول إلى اللقاء.. لقاء قريب على الحوض مع النبي الحبيب وأصحابه، لقاء قريب في مقعد صدق عند مليك مقتدر، لقاء تتحقق فيه أمنيتنا في أن نرتوي من بعضنا ومن أحبابنا ريا لا ظمأ بعده".
إنها معاني الإنسانية التي غابت عند الإعلام المصري الذي ماز زال حتى اليوم يقوم بدور الشماتة بمعارضيه من قتلوا أو ممن اعتقلوا.. يا هؤلاء:" خلي عندكم قليل دم".

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد