حاولت أن أبتعد قدر الإمكان عن استخدام كلمة "دعارة" في إطار توصيف وتقييم الإعلام الرسمي والحزبي والخاص المؤيد للانقلاب في أرض الكنانة مصر, كيما أجتاز التوظيف الخاطئ للكلمة في الإعلام، إلا أن ما قامت وتقوم به وسائل إعلام الانقلاب, أكانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية, على مدى شهرين تقريباً, يجبر المتابع والمراقب على استخدام أقذع التوصيفات تجاه تلك الممارسات التي تتم في شاشات وصفحات تلك الوسائل.. سيما وأن أداء الإعلام تعدى مرحلة الانحياز وتزييف وقلب الحقائق الموجودة على أرض الواقع.
إن تحول وسائل إعلام الانقلاب في مصر إلى واحدة من أدوات القتل والقمع والاعتقال، ومصادرة الحقوق والحريات، يوصلنا جميعاً إلى نتيجة واحدة، هي أن فتك تلك الوسائل بالمواطنين المصريين المعارضين للانقلاب لا تقل جرماً عن وسائل القتل التي استخدمتها قوى الانقلاب العسكرية والأمنية منذ الثالث من يونيو الفارط.. مع العلم أن عسكر الانقلاب وقواه الليبرالية والعلمانية والراديكالية المتطرفة, في الداخل والخارج, لم تقدم على القتل والسحل والاعتقال والحرق للمعتصمين والمعارضين للانقلاب في مصر، إلا بعد أن أحكمت قبضتها وتمكنت من شراء الآلة الإعلامية التي ظلت تدعي زوراً على مدى عقود حرية الكلمة ومنافحتها عن الحريات والحقوق، لإدراك قوى الانقلاب أهمية الكلمة وتأثيرها على المشهد السياسي والاجتماعي في الداخل المصري, قبل خارجه, خاصة وأن هذه الوسائل مثلت المحفز الأول لمن وقفوا خلف تلك البنادق والمجنزرات, وكل وسائل القتل والفتك والتنكيل التي استخدمت بحق متظاهرين عزل، خرجوا يعارضون سلمياً عودة حكم العسكر والنظام السابق ببيادته القديمة التي جذرها, أو لمعتها, مليارات الدولارات الخليجية كيما يخرج منتعلوها ليدهسوا جماجم الأبرياء بذريعة إنقاذ ثورة الـ(25) من يناير وحماية الأمن القومي المصري.
إن قيام وسائل إعلام الانقلاب, ومن يقف خلفها من قوى يسارية وعلمانية, بتحريض القوى العسكرية والأمنية على ضرورة قتل المتظاهرين السلميين بذريعة محاربة الإرهاب وحماية أمن مصر القومي المصري من أبنائه الذين يتوقون للديمقراطية الحقة، شيء مرعب وإرهاب يتجاوز في مضمونه جرائم القتل والسحل، خاصة إذا ما وضع في الاعتبار أن هذا الإعلام هو الذي يخرج بعد جرائم القتل والحرق والمشاهد المروعة التي شهدها العالم في رابعة العدوية والنهضة ورمسيس، ليحتفي بانتصار عسكر الانقلاب على الرافضين للانقلاب، وتبرير قتل أكثر من ألفي شخص, واعتقال ما يزيد عن عشرة آلاف شخص, وجرح الآلاف من الأبرياء الذين خدعوا بتصريحات قادة الجيش والداخلية المصرية بأن بنادقهم لن تقتل أي مواطن مصري.
يا الله كم نحن العرب قتلة ومجرمون, لا نكترث للدماء التي سالت وتسيل, ولا نقيم وزناً للنفس البشرية، والأكثر غرابة أن أبواق الانقلاب في الإعلام المؤيد لعسكر الانقلاب وملياراته يطلون علينا يومياً في شاشات التلفزة وصدر تلك المطبوعات بكم هائل من التبريرات لحالات القتل والاعتقال والتنكيل التي تمارسها المؤسسة العسكرية والأمنية في مصر بحق المعارضين لعودة النظام السابق وحكم العسكر.. وما يزيدك كمداً حين يظهر عليك مذيع أو كاتب أو محلل سياسي ويحاول أن يقنع المشاهد البسيط والحصيف بأن قتل أكثر من ألفي مواطن مصري في ظرفية زمنية لا تتجاوز الأسبوع هو دفاع عن النفس من قبل رجال شرطة وجيش لم يتجرأوا ذات مرة على مدى ثلاثة عقود بإطلاق (خرطوش), لا رصاص حي, تجاه جندي إسرائيلي ينتهك يومياً حرمات ومقدسات الأمة العربية والإسلامية، إلا أنهم وفي ظرفية زمنية قصيرة جداً أيضاً تحولوا إلى وحوش كأسرة وتذكروا بأن لديهم بنادق ورشاشات لم تشحن منذ زمن طويل..
الأشد جرماً من عمليات القتل والاعتقال التي حدثت وتحدث في مصر منذ اليوم الأول للانقلاب, ولازالت مستمرة، حين يطل عليك ثلة من الساسة كانوا حتى وقت قريب يعتبرون أن جرائم نظام مبارك المخلوع بحق معارضين له, أكانوا إسلاميين أو غير ذلك, جرائم منظمة لا يجب السكوت عليها إلا أنهم اليوم وبعد أن أدركوا فشلهم في أول استحقاق ديمقراطي لم تتحرك لهم جفن، رغم فضاعت المجازر التي تمت أثناء فض اعتصام معارضي الانقلاب, ولم ينطقوا حتى اليوم ببنت شفه تجاه حملات الاعتقال اليومية المنظمة التي تنفذها أدوات الانقلاب، رغم أن عدد المعتقلين وصل إلى رقم الـ(10.000) شخص.. ولم يطرحوا مجرد سؤال في الإعلام وشاشات القتل، مفاده: هل يعقل أن جميع من قتلوا وجرحوا واعتقلوا, ولازالوا, جميعهم إرهابيون ويهددون الأمن القومي المصري، لأنهم رفضوا مصادرة أصواتهم والانقلاب على نتائج انتخابات شهد العام بنزاهتها وشفافيتها؟.
قد يتجاوز الواحد منا نحن بنو البشر, إن كنا كذلك، عن اللعب بأدوات سياسية, وإن تم بطرق قذرة وابتزاز رخيص، لكن أن يصل الأمر حد الدم والقتل والتنكيل فالمسألة تختلف تماماً عن المصالح السياسية، ويكشف مدى دموية وأصولية وتطرف تلك القوى التي ظل الشارع العربي مخدوعاً بشعاراتها الزائفة وأحاديثها الباطلة عن مبادئ الحرية والعدالة والكرامة والمدنية والحداثة الليبرالية والعلمانية..
مرايا:
هنا مروا
هنا احتشدوا
هنا صلوا
هنا ركعوا
هنا سجدوا
هنا اعتصموا
هنا صمدوا
هنا قتلوا
هنا سحلوا
هنا غُدروا
هنا أحرقوا
هنا رابعة.. هنا النهضة هنا رمسيس.. هنا نبض ثورة شعب.. ستأخذ أنفاسها وتعود لتلف حبال المشانق على أعناق قتلتها، وقد تتجاوز وتتسامح لتجعل عدالة السماء هي من تقتص لكل قطرة دم سفكت.
إبراهيم مجاهد
إعلام الانقلاب.. دعارة الكلمة!! 2127