كثر الحديث مؤخراً عن الأكذوبة الكبرى التي انطلت على البعض المصري وخدع بها بعض الخارج الدولي و طبل لها الإعلام المصري والتي تمثلت بالأحبولة التي تم حياكتها عن الثلاثين مليوناً التي خرجت يوم "30" يونيو والتي على إثرها قام السيسي بانقلابه العسكري الفاضح الذي أرجع أسبابه بحسب زعمه إلى الإرادة الشعبية التي خرجت تدعوه لوضع حد لحكم الإخوان, ليتضح لنا بعد ذلك أن الموضوع لم يتجاوز الكثير مما كان يتشدق به أرباب الانقلاب وقادته، الأمر لذي دفع كما نعلم بعضا من وسائل الإعلام المحلية والعالمية إلى تقصي مثل هذه الحقيقة التي دفعت بالأمور إلى ما هي عليه اليوم من قلب الطاولة على المنتخبين شرعياً، فقامت في هذا السياق بدراسة علمية وموضوعية وعقلية ومنطقية لحقيقة الجموع التي وصلت – بحسب رواية المؤيدون للانقلاب - إلى ثلاثين مليون .
خلصت فيما خلصت إليه هذه الإستقصآت التي قامت بها مثل هذه المؤسسات المحايدة إلى أن الأعداد التي كثر الحديث عنها ما هي إلا أكذوبة أستطاع أصحابها أن يمرروها لبعض الوقت على فئات من الشعب المصري، فئات رأيناها اليوم تقف بصف الشرعية لأنها خدعت- كما ترى- من الإعلام الذي صورها على أنها ثورة شعبية وهي لا تتعدى أن تكون حركة ضلت لساعات في الميادين خطط وأعد لها تخطيطا دقيقا لتصل الأمور على إثرها إلى ما وصلت إليه اليوم .
الثابت في الأمر أن المخطط الذي أعد تم بتجييش من النخب المصرية للأسف الشديد ليسفر المشهد في مصر عن معركة رحاها تدور ما بين الشعب ونخبه لا أقل ولا أكثر.
ولكي تدرك أخي القارئ هذه الحقيقة, شاهد الإعلام المصري لتجد أن قنواته الموالية للانقلاب لم تعد تبث إلا مظاهرات الغاضبين على الانقلاب أو مداخلات وتنظيرات هذه النخب التي علمناها متباينة الأطياف والأيدولوجيات والتي اتفقت على مبدأ واحد نحو هدف واحد إلا وهو إسقاط الخيار الديمقراطي، وسرقت الإرادة الشعبية، والعجيب انهم يقومون بما يقومون به بدواعي الانصياع للإرادة الشعبية ولست ادري أي إرادة شعبية يقصدونها.
هذه النخب لن يدوم لها حال الانقلاب، ولن يستقر لها الأمر القائم، ولن تطول فرحتها بما قام به الجيش لأنها غضت طرفها عن الإجرام الذي مارسه الجيش بأمر قادته، وفي بعض الأحيان لم تتورع من الدعوة غمزاً ولمزاً لاتخاذ مثل هذه الخطوات، والبعض المتشدد من هذه النخب لم يتوانى من التصريح مباشرة والتأصيل والتشريع لمثل هذه الأفعال التي سقطت إثرها الدماء الزكية لخيرة أبناء هذا الشعب المصري.
ما لم يدر بخلد هذه النخب أن هناك حقائق لا يمكن لها أن تتبدل أو تتغير منها أن العنف أبداً ما كان رادعاً للقناعات والإرادات، لذلك وجدنا الشعب المصري يهب مجدداً عن بكرة أبيه, متحديا غطرسة الجيش وقواه الأمنية التي ستتراجع أمام إرادة الشعب، وسيتعب الانقلابيون وستكل حركتهم وستتعب النخب ويوم يتعبون سيجدون هؤلاء المنتفضون في قمة ثورتهم يجددون عزيمتهم وإرادتهم.
إن مما لا شك فيه أن هذه النخب أصبحت اليوم – وعلى ضوء ما رأت يوم الجمعة من جموع - تخشى أن يفشل مخططها، وأن يسوء ظنها، ويطيش سهمها، وشيء طبيعي أن يحدث ذلك لأنها عادت شعبها وخاصمته، وأوغلت في دماء أبناء مجتمعها لذلك لن يغفر التاريخ لها.
إن مما يخز في النفس أن هذه النخب على الرغم من الخلافات الجوهرية القائمة بينها إلا أنها اجتمعت على هدف واحد هو إسقاط الوضع القائم الذي وصل عبر صناديق الاقتراع، ولأنها أيضا فشلت في خمسة استحقاقات انتخابية لم تظفر بواحدة منها, فعمدت إلى خطوتها التي اتخذتها في هذا السياق
رأينا من هذه النخب السياسية والدينية والثقافية والفنية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية والصحفية والمسيحية والفكرية، ففي الجانب السياسي مثلاً نتحدث عن حمدين صباحي وعمرو موسى والسيد البدوي، وفي الجانب الديني أيضاً نتحدث عن شيخ الأزهر والمفتي السابق علي جمعة، وفي الجانب الثقافي نتحدث عن فاروق جويدة وفي الجانب الفني نتحدث عن فنانين كثر ليس أقلهم الفنانون التائبون أمثال منى عبدالغني وصابرين وعفاف شعيب وحسن يوسف، وفي الجانب الاقتصادي نجيب سويرس، وهؤلاء الذي أتينا على ذكرهم هم عبارة عن نماذج وأمثلة كانت بمثابة الطغمة التي جاهرت بالعداء للشعب المصري و ليسوا خلاصة إجمالية، فمن هم ينتمون لهذه الفئات ووقفوا مع الانقلاب ضد الدولة المنتخبة كثيرون جدا لكننا نعذر أنفسنا بذكر من كانت لهم اليد الطولي فيما حصل، ونذكرهم بأن المعركة قد قرر الشعب أن يخوضها مع هذه النخب التي لم يعد ينطلي على الشعب ما تروجه من أكاذيب وليس أدل من ذلك الخروج المهيب للطرف الأقوى في المعادلة وهو الشعب، ليؤكدوا أيضاً لقادة الانقلاب أنكم لن تعيشوا فرحة سرقت من أكباد الأمهات ومهج الآباء، ولن تنعموا بعيش لملمتموه من قوت الشعب الذي أصبح يرزح تحت وطأة القتل والحرمان
وفي الأخير هل من الممكن لهذه النخب أن تغير من موقفها، وتراجع ضميرها طواعية من تلقاء نفسها وليس هروبا من الواقع الذي سينقلب عليها وأصبح هاجسه يراودها يوميا ، أتمنى ذلك لأن التاريخ لن يرحم أحداً وقف ضد الإرادة الشعبية التي اختارها الشعب المصري والمسألة لم تعد اليوم ما بين هذه النخب والإخوان, لأن من سقط من الشهداء في هذه الأحداث دماء مصرية من كافة الفئات والأسر المصرية وليس كلهم من الإخوان، وهناك تحالف شعبي؛ الإخوان جزء منه فقط وليس كله.
مروان المخلافي
عن النخب المصرية!! 1152