فجر الصحفي البريطاني والمراسل الخاص لمنطقة الشرق الأوسط لصحيفة الأندبندنت روبرت فيسك قنبلة من العيار الثقيل عندما تحدث عن بعض المعطيات والكواليس والأسرار الخفية التي أفضت إلى الانقلاب العسكري في مصر وما حدث بعده، حديث فسر كثيراً من الحوادث التي لم يجد الشارع المصري جواباً لها حتى اليوم, حتى ظهر هذا المقال ليزيح الأستار ويجيب عن بعض التساؤلات القائمة في الشارع المصري ليس أقلها، لماذا أفرج عن حسني مبارك في مثل هذا التوقيت من قبل العسكر، وتجهيز جناح له في مستشفى المعادي العسكري بأحدث الأجهزة الطبية وأثمنها, كما زود الجناح الملكي الفخم بكل أجهزة الاتصال ويخضع كل من يسمح لهم بالدخول لتفتيش ذاتي حتى لا تخرج من الجناح صورة للخارج وهذا لا يحدث إلا في قصور الرئاسة, وفى المقابل يتعرض المرشد العام للضرب من قبل رجال الأمن ويتعرض الرئيس محمد مرسي الرئيس المنتخب لمعاملة لا تليق برجل تولى رئاسة مصر، ولما يمثله مقال الكاتب أيضاً من معلومات مهمة لا يعلم عنها الشعب المصري الذي انطلى على البعض منه مؤامرة الانقلاب التي أطاحت بالدكتور محمد مرسي.
وقال روبرت فيسك في مقال نشر في الاندبندنت أعادت "أخبار اليوم" نشره لأهميته: إنه علم من عدة مصادر يثق فيها كل الثقة أن السيسي أخرج مبارك من محبسه ليجري له عدة اتصالات مع قادة دول الخليج لإقناعهم بضرورة مساندة مصر حتى نهاية المطاف، رغم خطورة ذلك على انقلابه العسكري إلا أنه أضطر إلى ذلك اضطراراً..
لافتاً إلى أن مبارك بالفعل أجرى عدة مكالمات مع بعض القادة بمساعدة السيسي أخبرهم فيها بحقيقة الوضع الاقتصادي الكارثي الذي يهدد نظام الحكم بالسقوط المدوي في حالة استمرار التظاهرات الكبيرة التي لازالت تخرج بشكل يومي.
وذكر الكاتب أن من المكالمات التي أجراها مبارك هي مكالمة مع بنيامين بن اليعازر, وزير الدفاع الإسرائيلي السابق الذي تربطه بمبارك علاقة شخصية وطيدة, رغم أنه الضابط الذي قتل مئات الأسرى المصريين سنة 1967, وطمأنه اليعازر بأن إسرائيل لا تمل من محاولات إقناع الغرب بضرورة إعطاء فرصة أكبر للجنرال السيسي حتى يستعيد السيطرة على مفاصل الدولة.. وأخبره مبارك أنه لن يعود للسجن مرة أخرى إلا إذا عاد الإخوان للحكم مرة أخرى.. وتتطابق هذه التصريحات مع ما أصبح يروج له مؤخرا من أن الانقلاب شاركت فيه فلول النظام السابق.
وأكد في مقاله أنه علم بنفسه من كاترين أشتون أنها تكلمت مع محمد مرسي في مقر حجزه وهى تدرك أنه لا يدرى ماذا يحدث في الخارج وان ذلك سيسهل مهمتها معه وقد يسهل خداعه وتوريطه في اتفاق, ففوجئت به يشرح لها بتفاصيل لم تكن تعلمها عما يجرى في الخارج, بل ويستند إليها في شرح أسباب تمسكه بشرعيته.
وقال إن أشتون انسحبت من المؤتمر ليس بسبب تحريف الترجمة, فهي لم تعلم حقيقة التحريف إلا بعد خروجها, لكن كلمات البرادعي التي جاءت على غير ما اتفقت عليه معه أثبت لها أن القيادات في مصر يعمل كل منهم بدون علم الآخر وأدركت أن البرادعي ليس سوى واجهة لنشاط خفى ليس البرادعي عضواً فيه ونصحته بالاستقالة قبل أن يورطه العسكر في أمر ما.. والكرة الآن في ملعب العالم كله إلا المتظاهرين الرافضين لحكم العسكر, فهم الطرف الأقوى لأنهم السبب في إرباك الجميع وإذا ظلت التظاهرات فلا محال من سقوط العسكر من فوق قمة الحكم راغبين أو مجبرين.
ونوه في نهاية مقاله إلى أن المعركة الآن سيكسبها ليس صاحب النفس الطويل فحسب, بل والقادر على نجدة مصر من انهيار اقتصادي وشيك لن تستطيع دول الخليج مجتمعة على إنقاذ مصر منه, لأن 60% من دخل مصر يعتمد على الضرائب والسياحة وهذا شبه متوقف.. وتظل عودة الشرعية الانتخابية وحدها هي الأمل في انعاش الاقتصاد بعد متابعة ملحوظة من العالم لما يجرى في مصر.
بعد هذه الحديث الذي صدر من روبرت فيسك الصحفي صاحب المصادر الدقيقة ليس أمامنا إلا أن نضع النقاط على كثير من الحروف التي ظلت مبهمة وغير مفهومة، لكن الآن أصبحت الأمور تظهر بلا لغط ولا غموض، وأصبح الشعب المصري أو غالبيته اليوم أكثر من أي وقت مضى يفهم كثيراً مما يدور حوله وخاصة بعد الإطاحة بحد مرسي، لقد قالها أردوغان من قبلك وتحدث حتى بح صوته بأن الذي جرى ما هو إلا مؤامرة أفضت إلى انقلاب عسكري.
وفي هذا السياق لا يجب أن يمر تصريح عصام العريان القيادي في حزب الحرية والعدالة مرور الكرام والذي رحب فيه بوساطة فرنسا بشرط عودة مرسي والدستور والإفراج عن المعتقلين، فالرجل ما صرح بذلك وهو المطلوب القبض عليه بقرار من النيابة إلا لعلمه أن الأمور أصبحت تسير في غير صالح الانقلاب وفي غير ما يهوون، وتحدث بثقة أن الضربات المتتالية التي تلقتها جماعته لن تفت في عضد الجماعة لأنها أكبر من الذوبان والانصهار.
ما يهمنا في هذا السياق معرفة أن الأمور كما تحدثنا سابقاً تسير في عكس ما يتمناه الانقلابيون الذين أصبحوا اليوم يعترفون بأزمة اقتصادية في البلاد خوفاً من مفاجآت شعبهم بذلك, فلا يمهلوهم إلا أن يثوروا عليهم ويخلعوهم كما خلعوا الدكتور محمد مرسي، وهي بادرة يجب على كل غاضب ومنتفض أن يضعها نصب عينييه بأن الانقلاب لن يدوم طويلاً.
مروان المخلافي
لقد قالها اردوغان من قبل: إنهم انقلابيون 1362