أحقاً إبراهيم مثنى رحل، وهو الذي ملأ ساحات الوطن وساحات متعددة إقليمية ودولية نشاطاً وحيوية وأملاً بمستقبل أفضل لليمن وللمدنية التي ينشدها، عرفته مناطق وعواصم مختلفة: القاهرة وعمان وطوكيو ولندن ونيويورك وقطر وجنوب أفريقيا وكوريا وتونس وقاعات نقاش وحوارات معاهد تشاتام هاوس، وجامعة هارفارد ومؤسسة الفكر العربي ورنين اليمن وحتى الكونجرس الأمريكي الذي قدم اعتراضه فيه تجاه سياسات الولايات المتحدة بشان اليمن وكارثية خيارات هجمات الطائرات بدون طيار التي تحصد اليمنيين بدم بارد، كتاباته التحليلية وتغريداته كانت تجد صدى في الصحافة الغربية وكبريات الصحف فيها من نيو يورك تايمز ونيوزويك وذا جارديان وغيرها.
رسالة قصيرة وصلتني من صديقي يقول لي فيها:( يبدو أن إبراهيم مثنى لن يزورنا كما وعدنا إلى إب ولن أستطيع استقباله لأنه توفي), وهو الذي وعدنا أثناء مشاركتنا سويا في ورشة عمل خارجية بأنه سيقوم بزيارتنا في إب وبأن له فترة طويلة لم يزرها وكانت هذه الرسالة هي الخبر الأول الذي نزل على كالصاعقة، فانطلقت إلى المواقع الإخبارية التي تختصر الخبر عن وفاته وملابساته بحدث موت الناشط إبراهيم مثنى وستكون الصلاة عليه في مسجد الإحسان بشارع بينون بصنعاء مذيلاً بسيرة ذاتية هزيلة هي ليست كل ما نعرفه عن أنشطة ومبادرات الشاب إبراهيم التي ينبغي أن يتم جمعها في كتاب وبفيلم وثائقي يحكي أنشطته وأدواره التي قدمها خدمه للمجتمع المدني والنشاط السياسي الشبابي والتي تعكس شخصية الشاب الفقيد إبراهيم كما نعرفها.
من حقنا أن نتساءل: كيف قضى؟, وما هي الأسباب الحقيقية وراء رحيله المبكر، وكلنا إيمان بقضاء الله وقدره النافذ ولكن كل الحوادث لها أسباب ومقدمات ونتائج؟.
لا ندري حتى الآن هل تم فتح محاضر تحقيقات وحضور رسمي لتشخيص أسباب الوفاة، وإظهار تقرير الطبيب الشرعي وهل تم معاينة الجثة، وحتى تشريحها إذا لزم الأمر، إذ أن كل حوادث الموت والرحيل المفاجئ في هذا البلد فعادة ما تذيل أخبارها بقضاء وقدر وانتهى الأمر ويكون مصير الحقائق هو التوهان في المجهول وكم يمضي كل يوم من كوادر عسكرية ومدنية وقيادات شبابية بأسباب مختلفة: (مرض عضال، حادث مروري مؤسف، خطأ طبي، رصاصة طائشة، والإرهاب), ودواليك كل أدوات الموت المتربص بنا في هذا الوطن.
ضحايا كثر ولا مجال لحصر الموت الموزع علينا فقط في هذا البلد وبالمجان والتي عادة ما يتم دفن الحقيقة مع الجثث، ابتداء من الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي، وعبد العزيز السقاف، وجار الله عمر، ومجاهد أبو شوارب، والمتوكل، وحتى عبد العزيز عبد الغني وضباط الأمن السياسي والقوات الجوية وحرس الحدود وشباب الثورة في الساحات والميادين في ساحة التغيير وساحة الحرية تعز وتصفيات السجون, وصولاً إلى الناشط إبراهيم مثنى ولا تزال القائمة تنتظر وشهية الموت مفتوحة.
تعزية الأخ رئيس الجمهورية برحيل إبراهيم غير كافية وكان الأحرى بمن وراء إرسال التعزية الصفراء كأقل الواجبات ممثلاً بالرئاسة والحكومة فتح ملف تحقيق لمعرفة التفاصيل الأخيرة في حياة هذا الشاب والناشط المحلي والدولي المرموق الطامح الذي أصبحت أنشطته خطراً على قوى العصابات والمافيا المختطفة للبلد والمتربصة بأبنائه الأحرار..
وكذلك شباب الثورة الذين صمتوا عن المطالبة بالتحقيق عن مسببات وفاة زميلهم الذي كان خير ممثل لهم في المحافل المحلية والإقليمية والدولية متكئاً على إرث ثقافي واسع ونشاط مدني متحمس وتمكن لغوي ومعرفي اقله إجادة اللغة الإنجليزية بطلاقة والتي استغلها لإيصال صوت الشباب اليمني للعالم وكان خير سفير وصل صوته إلى كل صناع القرار المؤثرين دولياً والتي توجها أمام الكونجرس عن كارثية خيارات صناع القرار الأمريكيين تجاه اليمن.
رحيل شاب بحجم إبراهيم ينبغي أن لا يمر مرور الكرام ولا بد من البدء بفتح تحقيقات عن كيفية وفاته، والتفاصيل الأخيرة في حياته، ومع من كان ومن آخر رفيق التقى به، وما سبب انقطاعه الفترات الأخيرة عن الحضور في وسائل التواصل الاجتماعي لأنه باختصار شاب من طراز استثنائي لناشطي الربيع العربي عامة وربيع الشباب اليمني خاصة.
السلام والرحمة تحف روحك الطاهرة وشكر الله سعيك وستظل حياً في ذاكرة الأحرار والمتطلعين لدولة مدنية حديثة يسودها العدل والقانون والسلام.
يوسف الدعاس
إبراهيم مثنى حين ترجل قبل الأوان 1364