يظن قادة الانقلاب في مصر اليوم أنهم سائرون نحو تثبيت أقدامهم على أرضية انقلابهم، وأنهم أصبحوا بمنأى عن المسائلة أو المحاكمة عن كل الجرائم التي ارتكبوها بعدما قاموا باعتقال قادة الإخوان وتكميم الأفواه المعارضة ، والزج بشرفاء الضباط إلى السجون ممن لم يرق لهم حال مصر بعد الانقلاب، إضافة إلى تخوين من يرتفع صوته من المعارضين ممن ينتوي معارضة السلطة الانقلابية القائمة، إجراءات ظن معها العسكر بأنها ستكون سببا في استتباب الأمور، وهدوء الأوضاع ، وما علموا أن الرياح قد تأتي بما لا تشتهيه أشرعة القوارب أو أربنة السفن .
ما نريد أن نذكر به قادة الانقلاب أن الأيام دول ، والمعارك فيها سجال يوم لك ويوم عليك، لكن الثابت غير المتغير هو أن جولة الظلم ساعة وجولة الحق إلى قيام الساعة ، فإن يكونوا قد استطاعوا – كما يظنون - أن يوطدوا أقدامهم ، ويفرضوا انقلابهم ، ويبثوا الخوف عند الناس حتى لا يعارضهم احد فإننا نذكرهم أن مبارك قد كان أشد منهم في خطواته المتقدمة ، والمسافات المختصرة التي تجاوزها في إقصاء من رأى فيهم الخصم وهم الإخوان، فإن ذلك لم يدم له ، وتغير كل شيء في ساعة بل في لحظة لم يتوقعها ، وأسفر تاريخ 25 يناير عن صفحة طويت لطاغية استبد بالإخوان عشرات السنين ، بل إنه قبل أن يثور عليه الشعب كانت قد أقيمت انتخابات في مصر لم يحصل الإخوان فيها على مقعد واحد في مجلس الشعب ، وهم الذين فازوا قبله بــ"80" مقعداً، صحيح انه استطاع في لحظة أن يقصيهم تماما من المشهد السياسي ، وقام بتزوير الانتخابات عندما لم يحصلوا على مقعد واحد لكنه أمر لم يدم له طويلا وقد كان يتوقع أن يورث الحكم لابنه جمال ، بل إن توريث ابنه كان قاب قوسين أو ادنى من ذلك لكن الشعب المقهور لم يمهله أكثر من سبعة عشر يوم لترك منصبه وتنحيته من الملك ، وهذا المشهد الحاصل بالأمس يعيد نفسه اليوم ويتكرر مرة ثانية لكن بطريقة أشد قسوة ، وإرهاب فاق إرهاب مبارك ، فما صنعه العسكر اليوم لن يغفره التاريخ، وهو إلى زوال وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون لذلك نقول أن ليل الانقلاب لن يدوم طويلا والأحداث لا محالة ستتغير والسحر لا بد وأن ينقلب على ساحره ، هكذا حدثنا التاريخ ، تاريخ اليوم والأمس إن سحابة انقلابكم لا بد وأن تمر وتصطدم بأحد الجبال الشامخة ، وليلكم لن يطول حتى ينقشع عنه صبح منير ، فكونوا على يقين ان ما خططتم ودبرتم له من أجل مصالحكم وعلى حساب الشعب فإن مصيره الزوال ،وستبقى اللعنات تطارد كل من قام بهذا الانقلاب الآثم بالاعتماد على الجيش وقوات الشرطة ، ولن تنسى اللعنات كل ضالع في هذا الانقلاب من العلماء والقساوسة والسياسيين والممثلين والفنانين والمثقفين والإعلاميين وحتى ضعاف النفوس الذين لم تتضح لهم الحقيقة حتى هذا اليوم بعد كل هذه الدماء التي سالت في جميع المحافظات المصرية وراح ضحيتها خيرة أبناء هذا الشعب المناضل الذين أبى إلا أن يكون هو القربان على مسرح الحرية المسلوبة التي اغتصبها العسكر عنوة من أصحابها ، وأحلها لنفسه بلا محلل إشراقة..
تموت المبادئ في مهدها **ويبقى لنا المبدأ الخالدُ
مراكب أهل الهوى أتخمت **نزولاً ومركبنا صاعدُ
سوانا يلوذ بعرافة **وأسطورة أصلها فاسدُ
يحدثنا الليل عن نفسه **وفيهم على نفسه شاهدُ
إذا عدد الناس أربابهم **فنحن لنا ربنا الواحدُ
مروان المخلافي
إلى العسكر مع التذكير 1264