الدولة المحترمة هذا العنوان العريض التي تنكبته كثير من دول شرقنا الأوسطي وبالذات يمننا السعيد في عالم اليوم, بحيث أصبح ما يميزنا من بين الآخرين تخلفنا الفظيع الذي أصبح علامة بارزة كثيراً ما يشار بها علينا "دول متخلفة تسبح على برك من نفط وغاز والعشا دبا", وللأسف الشديد.
الدولة المحترمة هي تلك الدولة التي قبل أن تبحث لنفسها عن صكوك دولية بأنها خالية من الفساد، تبحث قبل ذلك عن الثقة التي يجب أن تمدها فيما بينها وبين مواطنيها بدلاً من البحث عنها خارج البيوت، لأنها, أي هذه الدولة, تعلم أن سعادتها داخل جراش بيتها وليس في الخارج.
الدولة المحترمة هي تلك الدولة التي تحسن اختيار نائبها العام قبل تفكيرها في أي شيء، وتترك له الصلاحيات بعيداً عن نفوذ رجال الدولة حتى يكون قادراً على أن يحرك كافة الأجهزة متى ما استشف وجود فساد في أي مكان ويدافع عن مصلحة كل مظلوم إلى أن ترد مظلمته, وأن الضعيف قوي إلى أن يؤخذ له الحق والشريف ضعيف إلى أن يؤخذ منه الحق، والدولة التي تحترم نفسها في هذا السياق إذا أرادت أن تقود حرباً حقيقية ضد الفساد فيجب أن تمنح السلطة القضائية أدواتها وتحقق لها الاستقلال المالي والإداري.
الدولة المحترمة هي تلك الدولة التي تسعى كأولوية إلى تحييد السلطة القضائية واستقلالها من خلال رسم سياستها بإرادة شعبية صادقة.
الدولة المحترمة هي تلك الدولة التي تكشف بلا أدنى خجل عن محاكمات تجري لدبلوماسيين تمتعوا بالحصانة في الخارج ولم تستطع الدولة أن تحبسهم وحكم عليهم بالحبس في هذه الدول المحترمة.. ما يعني أنه لا يوجد شخص في مثل هذه الدول فوق القانون وأنه حتى الأشخاص الذين أعطيت لهم الحصانة مثل أعضاء مجلس الشورى أو الهيئات القضائية والدبلوماسية لم يمنحوا الحصانة حتى تغل يد القانون عنهم, وأن هناك طرقاً كثيرة لسلب هذه الحصانة وتقديمهم إلى العدالة.
الدولة المحترمة هي تلك الدولة التي لا تعترف بحصانة وزرائها, بحيث لا يخضعون للمسائلة, لأن شواهد الأيام نقول بأن ثروات الشعوب يذهب بها الوزراء الذين لا يخافون الله، وقد اعتلوا مناصبهم لجمع ما استطاعوا من الثروة لتأمين بقية حياتهم وحياة أبنائهم وأبناء أبنائهم، فتأتي الدولة المحترمة لتكسر هذا الحاجز وتفرض ثقافة "من أين لك هذا", بحيث لا أحد يكون فوق القانون.
الدولة المحترمة هي تلك الدولة التي لا يتدخل فيها رئيس البلاد قط في عمل الأجهزة القضائية بتاتاً، وهيئات مكافحة الفساد فيها ينبغي إلا تكون فقط كصكوك براءة، والإعلام بأن هناك ما يوحي بمحاربة للفساد ليتضح لنا الأمر ما هو إلا ألعوبة وأحبولة يكذب بها على البسطاء الذين تنهب ثروة بلادهم وهم يظنون أن هناك هيئة لمكافحة الفساد، لذلك كانت الدول المحترمة يكفيها أن تشدد رقابتها على الفساد بدلاً من استحداث هيئات ومنظمات لمكافحة الفساد في الوقت الذي يزداد فيه الفساد.
الدولة المحترمة هي تلك الدولة التي ترى في مشاريعها أكثر طموحاً من المشاريع الأخرى, بشرط أن يكون هناك إرادة سياسية تعطي القضاء استقلاله، قضاء يمتاز بفصل النائب العام والسلطة القضائية عن وزير العدل, على أن يرتكز كل ذلك على ركيزة الحكم الأساسية ألا وهي العدل والمساواة بين الأشخاص.
الدولة المحترمة هي تلك الدولة التي لا تتوانى عن إعلان الحرب على الفساد أياً كان مصدره حتى من هم في المراكز المتقدمة من الدولة ، ومثل هذا الفعل لن يميزه إلا رؤية واضحة تستند لإرادة سياسية لن يكتب القبول لها إلا في ظل دولة المؤسسات، على أن يكون عمل رجال القضاء يعتمد على المبدأ والقناعات وليس الإغراءات المادية.
من ينظر بعين الفاحص لحال بعض الدول الناجحة والمحترمة لن يجدها إلا قد طبقت ما سقناه آنفاً وقلبوا بعقولكم حال الدول المتحضرة التي انطلقت من كبواتها ماذا صنعت أو ما الذي قامت به في سياق نهضتها وتقدمها ورقيها.
في اليمن ونحن نتحدث عن الدولة المحترمة كثير من الأسى يتربع حياتنا وتغشانا سحائب المعاناة بسبب المستويات المنحدرة، والأنفاق الملتوية المظلمة التي وصلت إليها اليمن الذي كان يقال عنه سعيداً، حتى أصبحت بلاد "الديولة", من معه مرافقين بسط ولا أحد يقله أح، ومن يتمتع بقليل من النفوذ تعربد ولا يرده رادع، ومن قريبه سفير في إحدى الدول انطلق للتعليم هناك ومعدله "47" بالمائة، ومن أباه مدير مدرسة انتفشت أرياشه وقام بالقبيلة من بيت أبيه ليوزع الشهادات على من يريد وبدون دراسة، أما من أباه وزير، أو قاضٍ أو ضابط رفيع كأن يكون قائد معسكر أو لواء، أو مديراً للأمن في إحدى المحافظات, بل في إحدى المديريات, فهؤلاء يظنون أن الدولة ما خلقت إلا لهم، والناس ما خلقوا إلا عبيداً لهم، ولا غرابة في ذلك طالما ونحن في زمن الديولة من طلع له قرون تنحنح وقال "يا أرض اشتدي فما عليك قدي".
ما نريد اليوم هو أن نكون دولة محترمة وبالهامش الموجود من الموارد، حتى يشعر كل واحد منا بقيمته في بلده لنخرج من حالة التيه التي ضربت باطنابها عميقاً في دهاليز تخلفنا وتقدمنا للوراء في كل مناحي حياتنا, للأسف الشديد.
مروان المخلافي
دولة محترمة بدلاً من الديولة 1343