أقولها ملأ الفم، نعم تعساء, ولست أجد وصفاً غيره يمكن إطلاقه على البعض ممن باعوا أنفسهم للشيطان ففرطوا بأوطانهم عندما فكروا بأن يكونوا خارج السياق الوطني فقاموا بما يمكن تسميته بأعمال الحرابة التي أفقدت الوطن كثيرا من مقوماته ومهابته بين أبنائه..
والتعساء من أبناء هذا الوطن صنف لا يمت للأخلاق بصلة، وهم جماعة تمارس تلك الإعمال الإجرامية نظراً لفظاعة ما يقومون به من أعمال تخريبية لا تخدم الوطن، وأي وطن، إنه ذلك الوطن المثخن بالجراح والذي أصبح اليوم يعاني الكثير من الأمراض ، وتأخره بين الدول يملأ سمع وبصر العالم..
في تعز انفلات أمني غير مسبوق، اختطافات للسياح والأجانب وقتل لهم في بعض الأحيان، استهداف للضباط في وضح النهار وعز الظهر، الرصاص يملأ سمائها، اقتحامات لوحدات عسكرية مقرات الأحزاب العتيقة دون علم ومعرفة قيادة المحافظة ومحور المدينة..
في صنعاء التمترسات على أشدها، والخطابات النارية على جميع المستويات سيدة الموقف في كل شيء، وتبادل الاتهامات أصبحت بصورة فظيعة لا يمكن تصورها، عصابات بيع الأعضاء البشرية تعج في البلاد، ومسلسل طمس الحقائق في كثير من التقارير ما زال يتلاعب به من هم محسوبون على بعض الأطراف التي لا تريد استقراراً للبلد..
في صعدة دولة شيعية بنشيد وطني ومناهج دراسية مستقلة وأقسام شرطة خاصة وإغلاق لمساجد من لا يدينون بالولاء لهم، سجون وتعذيب، وجباية للأخماس والأسداس، وتضييق لأرزاق الناس الذين يرفضونهم، احتفالات يقوم بها الحوثي بحضور قيادة المحافظة لتخريج طلابه الذين يدينون بالولاء لإيران، ناهيك عن الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة التي تمتلكها هذه الجماعة..
في عدن حراك سلمي ومسلح وكل واحد منهما منقسم على نفسه, منهم من يريد الانفصال والبعض الآخر مع تأجيل قيام دولته..
في إب يكفي أن نقول أن الكلاب المسعورة عضت في نصف الشهر المنصرم " 1600 "حالة .. أما مأرب والجوف فحدث ولا حرج, فالإبداع يمارس بجميع طرقه في تفجير أبراج الكهرباء وأنابيب النفط وبوسائل لا يجرؤ إبليس نفسه على التفكير بها.
 محافظات الوطن الأخرى لا تقل الفوضى فيها عما سردناه في البعض الآخر, وكل ذلك بسبب هؤلاء التعساء الذين ارتضوا لأنفسهم أن يرتموا في أحضان المخرب الداخلي، ومشكلتنا معهم أننا ظننا أنهم كالزئبق لا يستطيع احد في الأرض أن يوقفهم عند حدهم، أو أن يقص اليد التي طالت الوطن بجميع أنواع الفساد والإفساد فيه. 
إن أخشى ما أخشاه أمام هذا الواقع الأليم أن يكون وصف البردوني لصنعاء ما زال قائماً على حاله, مع فارق أنه أصبح حال البلاد برمتها بعدما كان حال صنعاء آنذاك عندما قال: 
حبيب وافيت من صنعاء يحملني .. حنين وخلف ضلوعي يلهث العرب
ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي .. مليحة عاشقاها: السل والجرب
ماتت بصندوق "وضاح" بلا ثمن .. في الحلم ثم ارتمت تغفو وترتقب
وفي أسى مقلتيها يغتلي .. يمن ثان كحلم الصبا ينأى ويقترب
حبيب تسأل عن حالي وكيف أنا؟ .. شبابة في شفاه الريح تنتحب
كانت بلادك "رحلاً"، ظهر "ناجية" .. أما بلادي فلا ظهر ولا غبب
ورحت من سفر مضن إلى .. سفر أضنى لأن طريق الراحة التعب
قبري ومأساة ميلادي على كتفي .. وحولي العدم المنفوخ والصخب
حبيب هذا صداك اليوم أنشده .. لكن لماذا ترى وجهي وتكتئب؟
ماذا؟ أتعجب من شيبي على صغري؟ .. إني ولدت عجوزاً كيف تعتجب؟
واليوم أذوي وطيش الفن يعزفني .. والأربعون على خدّي تلتهب
إن واقعنا اليوم بحاجة إلى قرارات حازمة ومسئولة على كل المستويات والاستنفار في تطبيقها بدلاً من تضييع الوقت في جزئيات لا تفيد الوطن في شيء على أن يجب التخندق حولها من قبل الجميع، ومن شذ عنها وجب على الوعي الجمعي لأبناء هذا الوطن فضحه بدلاً من التمترس حوله نظراً لأن هذا الطرف يمتلك من النفوذ ما لا يوجد عند غيره، وهنا تكمن المصيبة التي ما زالت اليمن تجر أذيال خيبتها بسببها.
إن المرحلة التي يمر بها اليمن حساسة للغاية تستدعي من الجميع أن يقوموا بمهامهم الوطنية بعيدا عن المشاريع الصغيرة التي أضرت بالوطن وجعلت من اليمن مهزلة بين الدول.. إن الإجرام الذي يمارسه البعض في حق هذا الوطن وأبناءه لهو إجرام, أثبتت الأيام بأنه منظم وتديره كثير من الأيادي التي أصبحت معروفة لدى اليمنيين.
إننا وبعيداً عن المماحكات نقول إن الوطن لم يعد يحتمل كل هذه الظروف التي يمر بها، فالذي فيه يكفيه.. ولأصحاب الضمائر الحية نقول إن الوطن بحاجة ماسة إلى وقفتكم في أي مكان كنتم، والحق بحاجة إلى وقفات حازمة لا تتساهل أو تتهاون مع المخربين الذين أرجعوا بلادنا للوراء سنوات سوداء.