لم نعد نعيش مرحلة العد التنازلي للحوار الوطني، بل أصبحنا نرقب لحظة النهاية التي يُعلن فيها عن انتهاء الحوار الوطني والبدء بتنفيذ مخرجاته على الأرض، اللحظة المجهولة هذه أصبحت حلم كل يمني ربط على بطنه واستجمع قواه وصبر نفسه وكتم أنفاسه وحاول جاهداً أن يُسكن من روع نفسه بمسكه على أعصابه، وهو يلمس غياباً للأمن، ومتاجرة بالأقوات، ويعيش حرباً ضروساً غير معلنة تستهدف ضروريات حياته من كهرباء وماء ووقود، كل هذا في غياب واضح لأجهزة الدولة عن المشهد الذي يفترض أن تكون فيه، مع علمه ووعيه أن المتحاورين ليسوا هم أجهزة الدولة حتى يُؤمِن بأنها ما غابت إلا لأنها تتحاور، بل يدرك أن عقولنا جميعاً ما تزال تحمل من ركام ثقافة الماضي طريقة التفكير والعمل في مسار واحد حتى يكتمل ذلك المسار، ولم تتحول بعد لتفكر وتعمل في مسارات متعددة، بمعني أننا في عهد ما قبل ثورة الشباب كنا نشهد تجييشاً لأجهزة الدولة المختلفة لإنجاح توجه رآه الرئيس أو رؤى له مع عدم مراعاة أن هذه الأجهزة بتجييشها يتم تعطيلها عن المهام الأساسية المناطة بها وهو ما جعل مصالح الناس تصاب في مقتل، فلأن العقول لم تنضجها ثورة الشباب الشعبية السلمية بما في ذلك عقول النخب لتفكر وتعمل في مسارات متعددة أصبح المواطن يٌرحِل كل همّ ويصبر على كل معاناة حتى ينتهي الحوار ـ لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً..
غير أن اللافت للنظر أن أعضاء مؤتمر الحوار الوطني لا يعون أنهم بحوارهم أخرجوا غالب, إن لم نقل كل, أجهزة الدولة عن فاعليتها في الواقع المعاش، ولأنهم لا يعون هذا إلا من رحم ربك فلا مانع لدى الكثير منهم أن يبقي الحوار إلى مالا نهاية طالما والمخصصات المالية تصرف لهم كل يوم.
إن من جملة ما نود قوله للمتحاورين أن الرهان على صبر لا نهاية له للمواطن كارثة في حد ذاته، وحمق ما بعده حمق، فصبر المواطن يكاد ينفد خصوصاً وقد أصبح يدرك أن الحوار بدأ ينحو باتجاه الالتفاف على خيارات الشعب وثورته، وبالذات بعدما ظهرت بعض القوى المشاركة فيه تريد التنصل منه ومن مقرراته، وأخري ترغب في تحويله إلى سوق تتاجر فيه لصالحها بالقضايا الوطنية التي دخلته رغبة في حلها حلاً وطنياً عادلاً تحت مظلة الوحدة، كل هذا في وجود راع دولي يرغب وبقوة في مطمطة الحوار طالما ومن يرغب في وصولهم إلى السلطة إما أقلية أو غير موجودين بالشكل الذي يروق له، هذا إلى جانب سعيه الحثيث لابتزاز أطرافاً بعينها في الحوار ليمرر عبرها أو بموافقتها ما يريده في الدستور القادم الذي سيتم صياغته فور الانتهاء من الحوار, خصوصاً وهو يدرك تماماً أن تأخير حسم الحوار يفاقم الأوضاع داخل البلد بصورة تستدعي تدخله المشروط من قبله، وإلا لو أن الراعي الدولي جاد في رعايته وشراكته في صياغة التحول السلمي في اليمن ما ترك المعرقلين للحوار دون أن يتخذ في حقهم ما يستدعي كفهم عن الأعمال المشينة التي باتت تضر بأمن واستقرار البلد.
إن على كل الأطراف الوطنية الشريفة أن تبدأ من الآن, إن لم تكن أصلاً قد بدأت, بالبحث عن مخرج يمني وطني خالص وأمن يكون رديفاً إن لم يكن بديلاً للحوار بنسخته الحالية، والذي بدت ملامح فشله تلوح في الأفق، بلون ورائحة الموت لا التعايش السلمي القادم من صعدة، وبلون ورائحة الانقسام والتشظي القادم من الجنوب، وبلون دخان حرائق التخريب وبرائحة بارود الإرهاب والقتل.
نجيب أحمد المظفر
الحوار الوطني.. وتحديات مرحلته الحاسمة! 1595