كم كان مؤثرا مشهد الوالد الفاضل " عبد الواسع هائل سعيد" وهو يقوم باحتضان وتقبيل نجل ابن أخيه المختطف "محمد منير" بعد الإفراج عنه من قبل خاطفيه ، وكم كان المشهد أيضا مفرحا لأهله وذويه ومحبيه وهو يعود سالما بصحة جيدة .
بالتأكيد مثل هذه الأخبار – لغيابها عن قاموس حياتنا اليومية - نحن اليوم بأمس الحاجة إليها ، بل إن تعطشنا لها أصبح كمتلازمة الماء للظمآن ,نظرا لما نمر به من انفلات أمني جعل سوق الجريمة ينمو ويربو بشكل فظيع حتى لم يعد أحد يأمن على َركن سيارته أمام بيته ، ونسعد أيضا لحادثة الإفراج كما تـألمنا لحادثة الاختطاف سواء كان الأمر واقع على محمد منير كونه ابن رجل أعمال أو ابن رجل من عامة الشعب ، لأننا باختصار سئمنا في يمن الإيمان والحكمة من سماع السيئة التي أصبحت تزعجنا حد اليأس من عدم انصلاح الأمور ، ونعوذ بالله من اليأس
وباعتقادي أن حادثة الإفراج ينبغي ألا تمر دون تأمل للدور الرجولي والموقف الشهم الذي قام به وجهاء مأرب ، وتحديدا ما قام به الشيخ" التام "، من تسليم الخاطفين أحد أبناءه لضمان الإفراج عن المختطف في مشهد يعيد للأذهان ما وقع في الجاهلية و قام به هرم بن سنان والحارث بن عوف من صلح عندما قامت الحرب الطاحنة بين عبس وذبيان فسارعا لتحمل أعباء ديات القتلى ، يومها قال فيهما زهير ابن أبي سلمى في معلقته التاريخية
يَمِينـاً لَنِعْمَ السَّـيِّدَانِ وُجِدْتُمَـا عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ سَحِيْلٍ وَمُبْـرَمِ
وَقَدْ قُلْتُمَا إِنْ نُدْرِكِ السِّلْمَ وَاسِعـاً بِمَالٍ وَمَعْرُوفٍ مِنَ القَوْلِ نَسْلَـمِ
وبعد كتابة الصلح بين عبس وذبيان وحقن دماء القبيلتين قلم من يريد نقض هذا الصلح فقتل أحد أبناء القبيلة الأخرى فقام الحارث بن عوف بتسليم قبيلة المغدور به اثنين من فلذات أكباده لتقتص بهما القبيلة بدلا من القاتل حتى لا تتأجج نار الثأر مجددا ، حتى رضيت القبيلة من الحارث هذا الفعل بأن تعفو عن قاتل ابنها حتى لا تعود القبيلتان لسابق عهدهما من القتل , وما صنعه شهماء القبائل في مأرب يصب في هذا السياق الجميل، بل لقد وصل الحد لدى هذه القبائل بأن توقع وثيقة قبلية بمأرب تهدر دم خاطفي محمد منير هائل ، ومن قبل أصدرت وثيقة تهدر فيها أيضا دم من يقومون بتفجير أنابيب النفط والغاز والتعرض لأبراج الكهرباء ، إنها قبائلنا اليمنية والأصيلة التي تعبر عن نفسها وأصالتها .
وبالعودة إلى حيثيات الإفراج عن المختطف الذي قضى شهراً كاملاً مختطفاً أكدت مصادر أن قبائل مراد تسلمت الشاب/ محمد منير أحمد هائل من الخاطف بناء على وساطة قبلية قام بها الشيخ/ علي التام وذلك مقابل ضمانة بعدم ملاحقة الأجهزة الأمنية للخاطفين والإفراج عن خمسة معتقلين على ذمة قضية الاختطاف.
وقد فرضت قبيلة مراد حصاراً خانقاً على المنطقة التي يتواجد فيها الخاطفون للضغط عليهم للإفراج عن المختطف نجل رجل الأعمال/ منير أحمد هائل.
وفي السياق أكد الخاطف القحاطي :أن الشيخ التام سلمهم ولده كرهينة حتى تنفيذ كافة مطالبهم التي التزم الوسيط التام بتلبيتها.
وكان الشيخ" أحمد الطيارة" ـ أحد مشائخ قبيلة مراد بمأرب ـ قد أوضح للصحيفة بأنهم سلموا المختطف إلى أسرته بتعز إثر وساطة قام بها الشيخ"علي التام", وقال إنهم لم يدفعوا أية مبالغ حالية للخاطفين عدا أنهم ضمنوا لهم عدم الملاحقة والإفراج عن مساجين على ذمة القضية.
وقال "إن عملية الإفراج تمت بعد أن حشدت قبائل مراد رجالها واستعرضت القوة", فيما أقنع الشيخ التام الخاطفين بأنه ؛لا يوجد أمامهم سبيل سوى الإفراج عن المختطف أو مواجهة قبائل مراد.
وعزا الشيخ" عبدالله صالح طليان" ـ أحد مشائخ مراد وهو ضابط في الجيش ـ عزا ذلك إلى أن أسرة هائل سعيد لم تسيئ لأحد وتمثل قوة اقتصاديةً في البلاد, والإضرار بها إضرار بالوطن والاقتصاد الوطني, مشيراً إلى أن أعمال الاختطافات تستنكرها قبائل مراد كون الإتجار بالبشر أمر مخالف لقواعد الدين والعرف.
وقد وصل المختطف محمد منير إلى منزل نبيل هائل بشارع مجاهد بالعاصمة صنعاء برفقة كافة مشايخ ووجهاء قبيلة مراد على رأسهم الشيخ/ غالب بن ناصر الأجدع، حيث تم تسليمه لأسرة المختطف.
وكان في مقدمة المستقبلين والده منير هائل والحاج/ عبد الواسع هائل، ونبيل هائل، ومحمد عبده سعيد أنعم، وكذا محافظ مأرب/ سلطان العرادة وعدد من القيادات والشخصيات الاجتماعية ورجال المال والأعمال.
وفور وصولهم ألقى الشيخ/ غالب الأجدع, كلمةً مقتضبة أعرب خلالها عن اعتذار قبيلة “مراد” عن حادثة الاختطاف، معتبراً أن مثل تلك التصرفات لا تمت لقبيلة مراد وأخلاقها وقيمها بصلة، وإنما هي صادرة من أشخاص وصفهم بضعاف النفوس.
من جهته أكد الشيخ/ علي عبد ربه القاضي على أن قبيلة مراد مستنكرةً حادثة الاختطاف، مؤكداً أن الإفراج تم دون أي مقابل أو مطالب أو شروط، وإنما عقب تحرك قبيلة مراد لتخليص المختطف من الخاطفين.
وقدّم الشيخ العواضي مفتاح سيارة يعقبها "10" سيارات كتحكيم لبيت هائل الذين يعتبرون رأس المال الوطني، كرد اعتبار عن حادثة الاختطاف.
من جهته رحب الحاج/ عبد الواسع هائل سعيد بمشايخ مراد, مشيداً بجهودهم في الإفراج عن محمد منير، وقال: إن موقفهم موقف مشرف ليس لقبيلة مراد وحسب بل للقبائل اليمنية كلها وللوطن أجمع وأعلن الحاج/ عبد الواسع عن لقاء صباح اليوم الثلاثاء مع مشايخ مراد والرد على تحكيمهم.
إذا نحن أمام حالة من التحضر والرقي مجدداً تثبتها قباؤلنا اليمنية التي يجب علينا اليوم أن نغير من نظرتنا التقليدية نحوها نظرا لما أصبحت تمثله اليوم من رافد حيوي كان له دورا رياديا في النهوض بالمسئولية المجتمعية .
مجددا تثبت قبائلنا اليمنية أنها أهل للشهامة والمروءة ، وأنها تستحق بجدارة ذلك الموقع الريادي الذي تتبوؤه في خارطة اليمن ، والمكانة التي تميزت بها من خلال أعرافها وأسلافها التي تتنصر للمظلوم ، ونجدة الملهوف ، رعاها الله من عادات وأسلاف وشيم تعلمنا اليوم أن فيها من الجمال ما يستطيع به الإنسان أن يأخذ بيد الظالم ليكفه عن ظلمة ، وتقصير يد المعتدي لئلا يتمادى في بطشه.
وبنجاح قبائل مراد بالإفراج عن الأخ / محمد منير الذي غيبه بعض الخاطفين عن أهله وذويه نستطيع القول أن القبائل لها دور عظيم يمكن الاستفادة منه بالتزامن مع الدور الحكومي والرسمي .
مروان المخلافي
شكرا قبائل مأرب 1789